الرئيسية / الورقية / افتتاحية صوت الشعب // التّدخّل العسكري في ليبيا
افتتاحية صوت الشعب // التّدخّل العسكري في ليبيا

افتتاحية صوت الشعب // التّدخّل العسكري في ليبيا

تؤكّد مختلف المصادر الإعلاميّة الدوليّة أنّ التدخل العسكري في ليبيا لا ريب فيه وأنه وشيك. وتربط هذه المصادر انطلاق هذا التدخل بتشكيل “حكومة الوحدة الوطنية الليبية” التي ستمنح الغطاء “القانوني والشرعي” للحرب. وبعبارة أخرى، فإنّ هذه الحكومة ستطلب من قوات حلف الناتو “المساعدة” في مواجهة الجماعات الإرهابية التي تسيطر على مناطق عدة من ليبيا مثل سرت، ودرنة وهراوة والنوفلية، في شرق ليبيا ووسطها، وصبراطة وغريان ومناطق جنوب طرابلس، في غرب ليبيا والتي أصبحت مع اشتداد الحرب على “جيوش الدولة الإسلامية” في منطقة الشرق الأوسط (سوريا، العراق…) الحاضنة الخلفية للفارّين من هذه المنطقة، إضافة إلى ما تمثّله من خطر على الثروات النّفطيّة للبلاد.

ولا يمكن لعاقل أن تغرّه تصريحات المسؤولين الغربيّين الذين يستعجلون التدخل في ليبيا، فيذهب في اعتقاده أنهم يقومون بذلك لـ”مقاومة الإرهاب” و”إعادة الاستقرار” إلى ليبيا والمنطقة. إنّ الأوضاع الكارثيّة التي يعيشها هذا البلد الشقيق، والتي جعلت منه مرتعا للعصابات الإرهابية، من كلّ حدب وصوب، وخطرا على استقرار بلدان المنطقة كلّها بما فيه تونس، إنما هي ناتجة عن تدخّل غربي سابق، في عام 2011. فهذا التدخل، ضدّ نظام معمر القذافي، هو الذي قضى على كلّ طموح للّيبيّين في نيل حريتهم وإصلاح أوضاع وطنهم، فقد دمّرت الطائرات والصواريخ والعساكر الاستعمارية الغربية الدولة الليبية وزرعت الفوضى في البلاد وتركتها فريسة للمليشيات القبلية والدينية المتطرّفة ولعصابات التّهريب.

ومن هذا المنطلق، فإذا كان من هدف للدول الغربية من تدخّلها، فلا يمكن أن يكون خدمة الشعب الليبي وشعوب المنطقة، فذلك آخر ما يمكن أن تفكّر فيه، وإنما هو صيانة مصالحها. إنّ الدول الغربية في صراع مع قوى أخرى، مع روسيا خاصة التي تتدخل في سوريا، مدعومة من إيران بشكل واضح وعملي وميداني، ومن الصين بشكل ضمني، من أجل إعادة اقتسام مناطق النفوذ في المنطقة. وسواء تمّ الأمر باتفاق مع روسيا أو دونه، فإن الدول الغربية لا تريد بأيّ شكل من الأشكال أن تفلت ليبيا، الغنيّة بالطاقة، والشاسعة جغرافيا وذات الموقع الاستراتيجي، من سيطرتها، قبل أن تتدخّل أطراف أخرى وتنازعها هذه السيطرة أو تقتسم معها الغنيمة. والمقصود هنا روسيا خاصة التي لن تتوقّف أطماعها، حسب الظاهر، عند سوريا. فمن الواضح أنها تريد أن تستعيد شيئا من مكانة الاتحاد السوفياتي سابقا في المنطقة، في عالم بدأ يخرج من حالة القطب الواحد إلى حالة تعدّد الأقطاب.

إنّ “مقاومة الإرهاب” ليس سوى غطاء لتدخّل القوى الاستعمارية الغربيّة في ليبيا للسيطرة عليها. وعلى هذا الأساس، فإنّ هذا التّدخّل لن يحلّ مشاكل ليبيا ولن يعيد إليها وإلى المنطقة الاستقرار، بل إنّ هذا التّدخّل سيغذّي الإرهاب ويقوّي الفوضى، كما حدث في بلدان أخرى مثل الصومال والعراق وأفغانستان وغيرها.

وبالنسبة إلى تونس فستكون له انعكاسات جدّ خطيرة اقتصاديّا واجتماعيّا وأمنيّا. لذلك فإنه لا مصلحة لبلادنا وشعبنا في هذه الحرب، سواء من باب الأخوّة مع الشعب الليبي الشقيق الذي لا نريد له إلاّ الحرية والتقدم والاستقلال والسيادة على خيراته أو من باب المصلحة الوطنية التونسية.

إنّ من يريد إعانة ليبيا على مقاومة الإرهاب، عليه أن يوقف تدفّق الأسلحة على “الدواعش”، كما أنه عليه أن يوقف تصدير النفط من ميناء سرت، وأن يكون حازما مع داعمي الجماعات الإرهابية وعلى رأسهم قطر وتركيا.

 وهو ما يطرح علينا وعلى القوى الوطنية والتقدمية في تونس الاعتراض على أيّ تدخّل أجنبي في ليبيا والضغط على الائتلاف الحاكم حتى لا يقدّم أيّ دعم واضح أو خفيّ للقوى الاستعمارية التي قد تقوم بهذا التّدخّل.

إنّ الحكومة التونسية تصرّح أنها ترفض هذا التدخل، ولكنّ تصريحات رئيس الدولة، الذي له، دستوريا، دور في رسم السياسة الخارجية والدفاعية، لا تطمئن لما يكتنفها من غموض. فهو لم يعبّر عن رفض صارم للتدخل الغربي، بقدر ما ركّز على “ضرورة إعلام تونس” في صورة إقرار مثل هذا التدخل.

وفي كلّ الحالات، فإنّه من واجب كلّ الديمقراطيين في مجلس نوّاب الشّعب أن يطالبوا بدعم من القوى الثّورية والدّيمقراطية ومن الشارع بمناقشة الموضوع في البرلمان كلّما جدّ جديد حتى لا يُحسم الأمر وراء الأبواب المغلقة، على حساب مصالح وطننا وشعبنا وعلى حساب مصالح جيراننا الجزائريّين الذين سيلحقهم الضرر نفسه باعتبارهم مستهدفون من قوى الاستعمار الغربي.

    

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×