عمدت حكومة الحبيب الصيد خلال الأسبوعين الأخيرين إلى فضّ عدد من اعتصامات الشباب المعطّل عن العمل والمطالب بالشغل، باستعمال القوّة. وقد بلغ العنف درجة كبيرة في جزيرة قرقنة يوم الأحد 3 أفريل الجاري في فك اعتصام الشباب المرابط أمام مؤسسة “بتروفاك” احتجاجا على تراجع الحكومة عن الاتفاق الممضى معها منذ أفريل 2015 والقاضي بإيجاد حل لتشغيلهم. وقد طال العنف والقمع العشوائيّين عددا كبيرا من أهالي الجزيرة الذين شنّوا يوم الثلاثاء 12 أفريل إضرابا عاما ناجحا بنسبة 100 بالمائة للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين وفك الحصار البوليسي على الجزيرة وحلّ مشاكل التنمية بها والعودة إلى التفاوض.
وبنفس درجة العنف أو أكثر واجهت قوات البوليس يوم 9 أفريل، بالقصبة ثمّ في شارع الحبيب بورقيبة، احتجاج الطلبة المفروزين أمنيا على تراجع الحكومة على الاتفاق الحاصل معهم لتسوية وضعيتهم. وتمّ بهذه المناسبة إيقاف 7 من المحتجّين وإحالتهم على المحاكم. كما تمّ تهديد النائب الجيلاني الهمامي بالإيقاف من قِبَل مدير الأمن، والاعتداء بالعنف على النائب عمار عمروسية، وكان كلاهما على عين المكان يتابع احتجاج الشبان المفروزين أمنيّا.
ومن الواضح أنّ الهجوم البوليسي لفك اعتصامات الشباب المعطّل عن العمل، كان بقرار حكومي يعكس توجّها عامّا في التعاطي مع النضالات الاجتماعية. ولا يوجد من تفسير لهذا التّوجّه غير فشل هذه الحكومة في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبّط فيها البلاد وتتضرّر منها كلّ الطبقات والفئات الكادحة والشعبية، لا لأنه لا توجد حلول لهذه المشاكل، بل لأنّ حكومة الحبيب الصيد التي تسلّمت مقاليد السلطة منذ حوالي 14 أشهر خيّرت مواصلة تكريس نفس خيارات العهد الدكتاتوري التي ثار ضدّها الشعب والتي لا تخدم سوى مصالح الأقليات الرجعية والعميلة.
إنّ كلّ القرارات التي اتّخذتها هذه الحكومة، المدعومة من تحالف “النداء – النهضة” في الداخل، ومن المؤسسات المالية الدولية النهّابة في الخارج، هي قرارات لفائدة الحيتان الكبيرة وليس لفائدة الطبقات والفئات الشعبية التي أسقطت الدكتاتورية. وهو ما فاقم البطالة والتهميش والفقر وعمّق الهوّة بين الطبقات الاجتماعية وبين الجهات أيضا. كما عمّق التّبعيّة وترك البلاد مرتعا للمافيات والتّهريب والتهرّب الجبائي والفساد الذي بلغ درجة كبيرة مقارنة حتى بعهد الدكتاتورية، وأضعف مواجهتها للإرهاب.
ومن البديهي أنّ حكومة كهذه، منحازة إلى الأقليات الثرية وإلى الرأسمال الأجنبي، لا يمكن إلاّ أن تعجز عن حل مشاكل الشعب والبلاد. وهو ما يدفعها اليوم، أمام عودة الاحتجاجات الاجتماعية، إلى اختيار القمع البوليسي نهجا للتعاطي مع هذه الاحتجاجات لأنّه ليس لها ما تقدّم إلى المحرومين والمفقّرين.
إنّ واجب الجبهة الشعبية وكلّ القوى الديمقراطية والتقدمية هو رصّ صفوفها اليوم والتّصدّى لهذا النهج القمعي والوقوف في صف النضالات الشعبية التي كلّما ظنّ البعض أنها انطفأت إلاّ وعادت بقوة، تغذّيها سياسة اللامبالاة والأبواب الحكومية الموصودة، والدّفاع عن الحريات والحقوق الديمقراطية التي تمثّل أهمّ مكسب حقّقته الثورة، وتعبئة الشعب حول خيارات اقتصادية واجتماعية جديدة، وطنية وديمقراطية، توفّر مقوّمات العيش الكريم لغالبية المجتمع الذي يتخبّط في الفقر والبؤس.
ومن هذا المنطلق فإنّ الخطأ، كلّ الخطأ، الاستهانة بما يجري اليوم واعتباره مجرد “تجاوزات”، لا نهجًا ما انفكت الحكومة خاصة والائتلاف الحاكم عامة، يعدّان له منذ مدة بإعادة رموز القمع في عهد بن علي إلى الواجهة، تحت غطاء مقاومة الإرهاب، وتجنيد العديد من الأبواق الإعلامية لتشويه التحركات الاجتماعية وتجريمها واستهداف القوى السياسية والنقابية والمدنية التي تدعم تلك التحركات وعلى رأسها الجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل. وعلينا أن لا ننسى أنّ كلّ الحكومات المتعاقبة منذ سقوط بن علي كان هدفها دائما ضرب الحركة الاجتماعية للالتفاف نهائيا على الثورة وإعادة بسط هيمنة القوى الرجعية على المجتمع.
ولئن فشلت هذه الحكومات في مسعاها المحموم، فقد كان ذلك بفضل تكاتف القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية والتفافها حول النضالات الاجتماعية المشروعة للشعب التونسي. وهذا هو الشرط اليوم أيضا لإفشال النهج القمعي المحموم لحكومة الحبيب الصيد والائتلاف الرجعي الذي يدعمه لمواجهة الحركة الاجتماعية وإخضاعها.
“صوت الشّعب” العدد 205