تنعقد نهاية هذا الأسبوع الندوة الوطنية الثالثة للجبهة الشعبية في ظرف أقل ما يقال عنه إنه مأزوم على كلّ الأصعدة بشهادة الحكام قبل المحكومين، وضع يؤكّد بوضوح وجلاء عمق الفشل والعجز الذي يسمُ أداء الائتلاف الحكومي اليميني الذي بشّر التونسيين بالجنّة قبل اعتلاء سدّة الحكم، وها هي الأيام والوقائع تسفّه دعاويه وتكشف طبيعة اختياراته الرجعية التي لا هدف منها سوى الالتفاف نهائيا على الثورة.
تنعقد الندوة الوطنية بعد عامين من الندوة الثانية التي حدّدت السلوك السياسي للجبهة إبّان الانتخابات العامة السابقة، واليوم ينتظر الجبهاويون والجبهاويات، ومن خلالهم جزء مهم من الشعب التونسي إجابات سياسية وعملية وتنظيمية عن تعقيدات الواقع اليوم وأولوياته وكيفية مواجهة التحديات المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا.
إنّ انتظارات الشعب التونسي والقوى الديمقراطية والتقدمية من هذه الندوة كبيرة كبر الهواجس والأحلام والتطلعات، التي يمعن الائتلاف الطبقي الرجعي السائد في وئدها من خلال مواصلة نفس خيارات التبعية والفساد والتفقير التي خبرها شعبنا طيلة ستة عقود والتي لم تكرّس إلاّ الطبقية المجحفة والتفاوت الجهوي، ورهن البلاد لإرادة الاحتكارات الامبريالية مؤسسات ودولا، خيارات كرّست سيادة طبقة طفيلية، عميلة وفاسدة على خيرات البلاد ومقدّرات الشعب، خيارات فرضت على شعبنا المقاومة التي تُوّجت بثورة شعبية دكّت عرش الدكتاتورية وفرضت على الطاغية الهروب.
ولئن حقّق شعبنا مكاسب ذات بال على رأسها افتكاك حريته، فإنّ المعضلة الأهم ظلت بقاء جهاز الدولة في يد نفس الطبقة الطفيلية رغم تغيّر العناوين الحزبية للحكام، وهو ما جعل هذا الشعب العظيم خارج مجال تحقيق طموحاته التي من أجلها ثار ومن أجلها ضحّى بالنفس والنفيس، وهو ما فرض عليه الخروج مجددا وفي أكثر من مناسبة إلى الشارع وتنظيم عديد الفصول الثورية في موجات متتابعة منذ القصبة الأولى إلى اليوم مرورا بأيام حكم الترويكا الذي ضمّ إضافة إلى الفقر والتهميش والقمع، الإرهاب.
وها هو شعبنا يتحرّك اليوم في أكثر من مكان، في قرقنة رفضا للتهميش، وفي الكاف التي أعلنت الإضراب العام ليوم 3 ماي رفضا للحقرة، وفي تونس حيث يواصل المفروزون أمنيا النضال لفرض حقوقهم، والمقصيّون في قفصة والقصرين اعتصامهم طلبا للكرامة. ويضاف إلى كلّ هذا إعلان أكثر من قطاع الإضراب عن العمل في القادم من الأيام دفاعا عن لقمة العيش وعن الكرامة.
وفي كلمة فإنّ شعب الثورة ما يزال في الشارع والساحات لأنه يرى بأمّ عينيه آماله بصدد التبخّر على يد التحالف الاستراتيجي الرجعي بين النهضة والنداء و”حكمة الشيخين” التي من بركاتها عودة عصا القمع وتلفيق القضايا والإحالة على السجون للشباب المنتفض، والسّعي المحموم إلى تصفية ملفّ شهيدي الجبهة والشعب شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتحويل مدارس تونس إلى كتاتيب طالبانية، والعمل على تمرير “الصيرفة الإسلامية” في قانون المؤسسات البنكية، في عملية “أخونة” ناعمة، بعد أن فشلت “الأخونة” بالقوّة.
في هذه الظروف تنعقد الندوة الوطنية للجبهة لضبط خطط مواجهة هذه الأوضاع وفتح آفاق أمام شعبنا كي يواصل النضال الواعي والمنظم دفاعا عن حقوقه غير القابلة للتصرف، حقه في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، في ظل خيارات وطنية وشعبية وديمقراطية، تقطع مع التبعية والفساد والتفقير، تقطع دابر الإرهاب والتعسف والقهر، وتؤسّس فعلا للجمهورية المدنية الديمقراطية الاجتماعية. ونحن واثقون بأنّ نائبات الندوة الثالثة ونوّابها سينجحون في هذه المهمّة ويثبتون قدرتهم على رفع التحديات ليكونوا على موعد مع التاريخ.