في حوار مطوّل مع جريدة الصحافة الصادرة اليوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2016، أجاب حمّه الهمامي عن عديد الملفّات السياسيّة والاجتماعيّة وعن التكتيك السياسي وعن تجربة الجبهة الشعبيّة ومهامها الراهنة، وعرّج، في كلّ ذلك عن تجربتين سياسيّتين، إحداهما قبل الثورة (18 أكتوبر 2005) والثانية بعدها (جبهة الإنقاذ صيف 2013)، فكانت إجابته كالأتي:
“تجربة 18 أكتوبر فرضها سياق سياسي وظرف تاريخي محدّد وهو بطش الدكتاتورية البوليسية النوفمبرية بالمجتمع قاطبة من جهة، ومن جهة أخرى الحاجة إلى التصدي لهذا البطش الذي أصبح خانقا في ظل ضعف رهيب لقوى المعارضة السياسية والمدنية والاجتماعية وهو ما فرض الالتقاء حول ما أسميناه «سميغ الحريات» وهو العفو العام وحرية التعبير والصحافة وحرية التنظم.
وهذا الالتقاء حرم الدكتاتورية في تلك اللحظة من مواصلة التغذي من الصراعات الإيديولوجية والسياسية بين المعارضة وفسح المجال لطرح المشاكل السياسية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب.
بعد الثورة «السميغ» تحقق والأوضاع تغيرت، من كان في الحكم وبعض من كان في المعارضة أصبح في الحكم، وبديهي عندما تتغير الأوضاع والأدوار والمواقع السياسية تتغيّر المواقف والتكتيكات والاستراتيجيات.
مثلا عندما جاءت انتفاضة الحوض المنجمي 2008 عجزت الدكتاتورية أن تلعب خلالها على تناقض يسار – إسلاميين، بعبارة أخرى ذلك التكتيك كان مفيدا في تلك اللحظة لتطور الصراع الاجتماعي والسياسي الذي سيؤدي إلى الثورة.
أما اليوم أي بعد الثورة فلا مجال للعودة الى مثل ذلك التكتيك فالنهضويون الذين كانوا في عام 2005 ضمن المعارضة ومحل قمع من الحكم هم اليوم في الحكم ومساهمون في قمع الشعب.
لقد تغيرت الأوضاع السياسية بعد الثورة وهي تفرض تكتيكات جديدة غير القديمة.
أضف الى ذلك أن ما بين الجبهة الشعبية وبين حركة النهضة ملفات ثقيلة منها ملف الارهاب والاغتيالات السياسية وعلى رأسها اغتيال الشهيدين العزيزين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي اللذين تتحمل الترويكا بقيادة النهضة في اغتيالهما مسؤولية سياسية وأخلاقية، في انتظار ما ستسفر عنه الأبحاث لتأكيد أو نفي وجود مسؤولية جزائية، رغم أننا مقتنعون بوجود هذه المسؤولية الجزائية بالنسبة إلى بعض مسؤولي النهضة في الدولة آنذاك وفي مقدمتهم علي العريض وزير الداخلية.
أمّا عن تجربة جبهة الانقاذ الوطني في 2013 وأوجه المقارنة بينها وبين تجربة 18 أكتوبر فأجاب الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبيّة:
“ما يثبت أن أوضاع ما بعد الثورة فرضت تكتيكات ما قبل الثورة هو جبهة الانقاذ التي دعت اليها الجبهة الشعبية لتضم قوى يسارية وليبرالية وديمقراطية وتقدمية ومدنية لمواجهة الخطر الفاشستي الزاحف بقيادة حركة النهضة.
وكان الهدف من جبهة الإنقاذ محدّدا في المهام وفي الوقت أي إسقاط دستور 1 جوان 2013 وحكومة الترويكا بقيادة علي العريض وفسح المجال لمناخ سياسي جديد يستعيد فيه التونسيات والتونسيون حريتهم ويصدون الباب أمام قيام استبداد جديد بغلاف «اخوانجي» وهو ما نجحت فيه جبهة الانقاذ بما حققته من دعم جماهيري وشعبي واسع، فجاء دستور 27 جانفي 2014 وحكومة مهدي جمعة، رغم معارضة الجبهة الشعبية لها، لتنفيذ انتخابات 2014 فانتهت جبهة الانقاذ بتحقيق المهمّات الظرفية التي حددت لها وعاد الصراع مجددا بين الجبهة والنداء مثلا وها نحن نرى «عدوّي» الأمس حليفين اليوم أي النهضة والنداء.
خلاصة القول إن تعقيدات الأوضاع السياسية تفرض تكتيكات محددة وملموسة ومرنة، والسؤال القائم دائما هل أن مثل هذه التكتيكات حققت أهدافها ومكّنت جماهير الشعب من الحفاظ على أدنى مكتسباتها وتطويرها أم لا”.