إعداد فاتن حمدي
قبيل الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الذي يوافق يوم 8 مارس من كلّ سنة، تشير آخر الأرقام حول العنف المسلّط على النساء في تونس أنّ 53 % منهن تعرّضن إلى أحد أنواع العنف خلال الفترة الممتدة بين سنة 2011 وسنة 2015 وفق دراسة ميدانية على النوع الاجتماعي في الفضاء العام أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتّحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
وقد بلغت حالات العنف ضدّ المرأة أرقاما مفزعة في ظلّ غياب الديمقراطية الحقيقية والخيارات الاقتصادية الرأسمالية التي لا تضمن الحقّ في الشغل كما أنّ هذه الظاهرة مسّت كلّ المجتمعات وغذّتها أساسا العادات والتقاليد والثقافة الذكورية. وفي هذا الإطار صادق مجلس الوزراء بتاريخ 13 جويلية 2016 على مشروع قانون أساسي يتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة تقدّمت به وزارة المرأة بعد الاستماع إلى المجتمع المدني. وينتظر حاليا وبعد الانتهاء من التشاور حوله صلب لجنة المرأة المصادقة عليه في جلسة عامة تحت قبة البرلمان.
وفي هذا الإطار رصدت “صوت الشعب” رأي مناضلات نسويات في مشروع القانون المعروض على مجلس النوّاب.
رفيقة الرقيق: الحدّ من الظّاهرة يتطلّب رؤية شاملة ضمن مسار سياسي وتشريعي
وفي تصريحها لـ”صوت الشعب” أكّدت رفيقة الرقيق المنسّقة الوطنية لمنظّمة مساواة أنّ المشروع الحالي كان مفصّلا ودقيقا، لكن بعد أن تتمّ المصادقة على القانون على الدولة ضرورة الاعتراف بصفة الضحيّة للمرأة المعنّفة والتزامها بوضع آليات الحماية وتوفير الرعاية والإحاطة والإدماج للنساء ضحايا العنف، خاصة وأنّ المشروع نصّ على إدراج مكافحة العنف ضدّ المرأة ضمن البرامج التعليمية والتربوية والتقليص من ظاهرة الانقطاع الدراسي والترفيع في العقوبات المنصوص عليها كلّما كان لمرتكب العنف سلطة على الضحيّة أو نفوذ.
من جانب آخر، أكّدت الرقيق أنّ الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة يتطلّب رؤية شاملة ضمن مسار سياسي وتشريعي من خلال تركيز نظام ديمقراطي يضمن الحقوق والحريات وأن يتمّ سنّ قانون واضح في تبنّيه لمفهوم العنف في كل أبعاده وتنقيح التشريعات لتتلاءم مع الدستور ومضامين المعاهدات الدولية وتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخدمات الصحية والسكنية والتعليمية والنقل اللائقة، إضافة إلى إرساء مسار تربوي إعلامي يوفّر تعليما مجانيّا وتقدّميّا يربّي الناشئة على قيم المواطنة والمساواة ويتوخّى سياسة إعلامية تنبذ العنف ضد المرأة وتمنع الإشهار النمطي لصورة دونية.
كما تساءلت الرقيق حول مدى التزام الدولة بحماية النساء خاصة وأنّ عددا كبيرا منهنّ عرضة للفقر والبطالة وانسداد الأفق وتردّي الخدمات وتخلّي الدولة عن دورها في المؤسّسات العمومية لصالح القطاع الخاص في ظلّ خيارات اقتصادية تزيد كلّ يوم في تعميق أزمة مواطنيها.
حفيظة شقير: المشروع لم يؤكّد على دور المجتمع المدني وأدعو النوّاب إلى مساندة مقترحاتنا
من جانبها وفي تصريحها لـ”صوت الشعب” اعتبرت حفيظة شقير الأستاذة الجامعية ونائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان أنّ وجود مشروع قانون حول القضاء على العنف ضدّ المرأة يعتبر مكسبا في حدّ ذاته لأنّه تتويج لنضالات المجتمع المدني عموما وتحقيقا لمطالب الجمعيات المهتمة بقضايا المرأة، حيث تكمن أهميته في اعتماده على مقاربة حقوق الإنسان وفي تكريسه للتعريفات الدولية المعمول بها في مجال العنف والتمييز وفي اعتباره للعنف المسلّط على النساء تمييزا مسلّطا عليهنّ وانتهاكا لحقوق الإنسان وكرامته.
من جانب آخر، اعتبرت شقير أنّه رغم ما قدّمه المجتمع المدني من مقترحات عملية في المشروع إلاّ أنّ النسخة المعروضة حاليا على البرلمان لمّ تؤكّد على دور المجتمع للحدّ من الظاهرة، ولهذا تطالب الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بضرورة بناء علاقات فعلية بين المجتمع والسلطة من أجل تكاثف الجهود في حماية النساء ضحايا العنف.
كما طالبت شقير بإرساء صندوق للتعويض للضرر يخصّص للنساء ضحايا العنف على غرار صندوق النفقة الصادر منذ سنة 1993، داعيا نوّاب مجلس نواب الشعب إلى ضرورة مناصرة الجمعيات والمنظّمات المهتمّة بقضايا المرأة من أجل إدخال بعض التعديلات قبل المصادقة عليه نهائيا.
حليمة الجويني: سنطلق حملة مناصرة من أجل المصادقة في أقرب الآجال والجانب التشريعي وحده لا يكفي
الحقوقية حليمة الجويني وعضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان اعتبرت في تصريحها لـ”صوت الشعب” أنّ مشروع القانون يعدّ خطوة كبيرة ويعتبر شاملا ومفصّلا لأنّه تضمنّ ركائز أساسية وهي الوقاية والحماية والتعهّد والتضامن مع الضحايا إضافة إلى تتبّع المعتدين ومحاسبتهم، مضيفة أنّ الرابطة رحّبت بعدّة فصول ضمن المشروع منها التي نصّت على تعريف العنف انطلاقا من المعايير والمواثيق الدولية ولهذا أطلقت الرابطة حملة مناصرة من أجل المصادقة عليه في أقرب الآجال.
الجويني أعلنت أيضا أنّه ستتمّ دعوة جلّ ممثّلي الكتل البرلمانية والوزارات المعنية خلال إحياء اليوم العالمي للمرأة من أجل إيجاد استراتيجية كاملة بعد المصادقة على مشروع القانون لأنّ الجانب التشريعي وحده لا يكفي للقضاء على العنف المسلّط على النساء.
لكن ومن جانب نقائص المشروع، اعتبرت الجويني أنّه لم يكرّس دور منظّمات المجتمع المدني في مجال العنف وخاصة فيما يتعلّق بالتعهّد بالنساء ضحايا العنف خاصة وأنّ الرابطة قادرة على لعب دور مهمّ في إطار القضاء على العنف والتعهّد بتقديم الدعم النفسي للضحايا.