حملة “بدنا نحاسب” انطلقت في صيف عام 2015 إثر تفشّي أزمة النفايات. الحملة كانت واضحة منذ بدايتها فأزمة النفايات هي أزمة فساد سلطة سياسية سيطرت على الدولة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية، وليست أزمة تقنية، وما النفايات إلاّ أحد تجليات هذا الفساد.
شاركت الحملة في جميع تحركات الحراك المدني اللبناني الذي انطلق منذ تموز عام 2015، وتقدمت بعدد كبير من الدعاوى إلى القضاء اللبناني بملفات فساد عديدة بهدف فتح تحقيق فيها ومحاسبة المتورطين فيها. ومنذ انطلاقتها حققت الحملة عديد الإنجازات قد يعتبرها البعض غير ملموسة ولكنها أساسية. فقد استطاعت الحملة بالتعاون مع الحراك الشعبي توقيف عدد من الصفقات حول ملف النفايات كانت اتفقت على تقاسم حصصها السلطة السياسية. وبعدها وبفضل عملها المحترف والدقيق استطاعت فضح صفقة ترحيل النفايات إلى روسيا المعروفة بصفقة “شينوك”، حيث استطاعت الحملة كشف سرقة وتزوير مستندات خاصين بالصفقة المذكورة، كما أثبتت بالدليل علاقة وطيدة لشركة “شينوك” (التي وافق مجلس الوزراء على إعطائها حق ترحيل النفايات) بأحد عملاء العدو “الإسرائيلي”. كما استطاعت الحملة، بفعل تحركاتها واعتصاماتها المستمرة، إعادة الصّلة بين المواطنين اللبنانيين وهيئات الرقابة الموجودة في الدولة خصوصا هيئة التفتيش المركزي المعطلة بفعل قرار السلطة السياسية. وهي مستمرة في هذه التحركات كي تضغط من أجل أن تجتمع هذه الهيئة كي تبتّ في ملفات الفساد المحالة إليها.
في الانتخابات البلدية التي حصلت في الصيف الماضي، لمسنا ارتفاع حس المحاسبة لدى المواطن اللبناني (التي كان للحملة دور أساسي فيه)، وقد تمّت ترجمة ذلك في العديد من البلديات التي رفض المواطنون فيها اللوائح المعلبة المفروضة من قبل السلطة، خصوصا تلك التي كان يوجد فيها أعضاء سابقين ولم ينتجوا شيئا للبلدة. وللتذكير فإنّ الحملة خاضت الانتخابات البلدية ترشيحا في حوالي 110 بلدة لبنانية. وفتحت الحملة ملف الأملاك العامة المسروقة، خصوصا ملفّي الرملة البيضا وحرش بيروت، حيث نخوض صراعا في الشارع وفي القضاء من أجل رفع يد سارقي الملك العام، والمعركة ما زالت مستمرة إلى الآن ولم تنته.
منذ فترة، بدأت الحملة بعمل دؤوب من أجل فرض قانون جديد للانتخابات النيابية قائم على النسبية، لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي. واعتماد هكذا قانون هو مدخل للإصلاح السياسي الذي يعطي أفضل تمثيل، ويسمح للعديد من القوى والتيارات التغييريّة من الدخول إلى المجلس النيابي. ولمواجهة استهتار السلطة السياسية بالمواعيد الدستورية وعدم قدرتها على إنتاج قانون جديد للانتخابات، أو مساعيها إلى اعتماد قانون الستين الأكثري، قامت الحملة بترشيح ثمانية مرشحين إلى الانتخابات النيابية معلنةً المواجهة مع السلطة، وتحذّرها من مغبّة تمديد ثالث للمجلس النيابي أو اعتماد قانون الستين، وهي قامت وسوف تقوم بالعديد من التحركات في الشارع من أجل هذا الموضوع.
طبعا، نسبة لا بأس بها من هذه التحركات والنشاطات كانت تقوم وسط قمع أمني واعتقالات وملاحقات خصوصا في أوائل الحراك. وقد سُجن العديد منا، والبعض ما زال لديه محاكمات أمام القضاء.
هادي مونله
ناشط بحراك “بدنا نحاسب”