لطفي الوافي
أثار قرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي تلا زيارة فجئيّة أدّاها يوم 14 جوان المنقضي إلى ميناء رادس، إبعاد عدد من أعوان الديوانة برتب ومسؤوليات مختلفة جدلا واسعا واستياء وبلبلة في صفوف الديوانيين ونقابتهم التي ظلّ موقفها غير واضح من هذه المسألة.
بل يمكن اعتباره متضاربا في بعض الأحيان، خصوصا وأنّ هناك من عبّر عن مساندته لهذا التمشي في حين رفضه البعض الآخر صلب ذات النقابة، معتبرا إيّاه استهدافا للديوانة ومطالبا السلط المعنيّة بكشف ملفات الفساد صلب هذه المؤسسة.
ضرورة الإصلاح
وفي تصريح لـ”صوت الشعب” نفى الناشط النقابي والعميد بالديوانة التونسيّة محمّد البيزاني أن يكون هناك أيّ قرار رسمي أو وثيقة رسميّة تفيد بإبعاد أعوان من سلك الديوانة، مشيرا إلى أنّ ما حصل ليس محاولة لإرباك المؤسسة وإدخال البلبلة في صفوف أعوانها.
وأضاف البيزاني أنّ المؤسسة الديوانيّة في حاجة أكيدة إلى إصلاحات عميقة وجوهريّة وهذه الإصلاحات تتطلّب توفّر إرادة سياسيّة حقيقّيّة، بعيدا عن منطق المناورة، عبر “كشف العناصر الفاسدة من قبل الأجهزة الرقابيّة والأمنيّة والقضائيّة والتّطرّق إلى ملفّات الفساد ملفّ بملفّ”.
سيطرة المنظومة القديمة
وشدّد على أنّ معالجة ملفّ الفساد في الديوانة يتمّ عبر القطع مع المنظومة التشريعيّة والإدارية والهيكليّة القديمة، التي وُضعت على قياس النظام السابق والتي مازالت تركّز الصلاحيات في يد المدير العام للديوانة، وعبر إعادة النظر فيها كليّا وإدخال صيغ جديدة في التسيير. إضافة إلى “عصرنة الإدارة العامة للديوانة على مستوى الهياكل والمصالح الإداريّة التي يجب أن تعاد تركيبتها ويجب أن تكون مختصّة وذات صلاحيات”.
وقال البيزاني إنّ مجلّة الديوانة وقع تحيينها سنة 2008، موضّحا أنّ نفس الأطراف التي أشرفت على تنقيحها في الماضي تسعى اليوم إلى القيام بنفس الدور. وهو ما من شأنه أن يكرّس الفساد الإداري خصوصا في ظلّ وجود لوبي وصفه بـ”الخطير” مازال يتحكّم في مؤسسة الديوانة وفي مديرها العام. وهو ذات اللوبي الذي أفرز هيكلة منخرمة وتحكّم في مسألة النقل والتعيينات. وذلك وفق تعبيره.
تواصل الفساد الإداري
وحذّر من تواصل ما وصفه بـ”الفساد الإداري” الذي يقود بدوره إلى الفساد المالي ويفتح الباب أمام أشكال أخرى من الفساد صلب الديوانة، داعيا إلى ضرورة التّعجيل بتفكيك هذا اللوبي والقضاء عليه حتى تتمّ عملية إعادة ترتيب البيت الداخلي للديوانة.
وفي ذات الصّدد، اعتبر البيزاني أنّ “محاولات المدير العام الحالي عبر تنظيم الندوات إرساء منظومة الحوكمة مشكوك فيها”، مضيفا أنّه “لا يمكن الحديث عن حوكمة في ظلّ سيطرة المنظومة القديمة إداريّا وتشريعيّا”.
ودعا البيزاني، في ذات السياق، إلى ضرورة طرح ملف الديوانة في مجلس نوّاب الشعب بصفة جديّة وتشريك كلّ القوى الحيّة باعتبار أنّ “الديوانة مرفق عمومي ومن حقّ الشعب التونسي إبداء الرأي في كلّ ما يتعلّق به”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ منظمات دوليّة تُعنى بمؤشرات الفساد كانت قد صنّفت سلك الديوانة بتونس من بين القطاعات الأكثر فسادا في البلاد.
الدّيوانة من بين الأسلاك الأكثر فسادا
كما كشفت دراسة أعدّها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية التابع لوزارة التنمية والتعاون الدولي، سنة 2015، أنّ جلّ رجال الأعمال يعتبرون الديوانة التونسية من أكثر المؤسسات فسادا في تونس.
وبيّن نفس المصدر أنّ % 33 من الشركات التي قامت بنشاط تجاري متعلّق بالتصدير أو التوريد خلال سنتن 2013 و2014، صرّحت بأنّ أعوان إدارة الديوانة طلبوا منهم رشاو مقابل تسهيل معاملاتهم الديوانية.
وفي ذات الإطار، أظهرت دراسة أكاديميّة أعدّها الخبير في البنك الدولي “بوب رايكر” وجود فوارق مهمّة في حجم السلع التي تصدرها البلدان الأوروبية إلى تونس مقارنة بما يتّم التصريح به لدى الموانئ ومصالح الديوانة التونسية في ما يتعلق بالتوريد. وهو ما يعني دخول كميّات كبيرة من السلع إلى تونس دون التصريح بها لدى مصالح الديوانة ودفع المعاليم المستوجبة.
التّلاعب بالقانون
كما بيّنت الدراسة، استغلال عدد من الشركات لثغرات قانونيّة في مجلة الديوانة بهدف التهرّب من دفع المعاليم الديوانيّة من خلال تقديم تصاريح ديوانيّة مغلوطة.
وتكمن هذه الثغرات في نظام القبول المؤقّت للسلع الذي يمكّن من استعمال التراب الديواني مع توقيف العمل الكلّي أو الجزئي للمعاليم والأداءات المستوجبة على البضائع المورّدة المُعدّة لإعادة التصدير.
وأبرزت الدراسة الانعكاسات السلبية الكبيرة للتّهرّب الدّيواني على الاقتصاد التونسي، علما وأنّ الواردات تمثّل 50 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وتوفّر 25 بالمائة من الموارد الجبائيّة للدّولة.
وتزيد خطورة هذه الظاهرة إذا علمنا أنّ 27 % من الواردات تخضع إلى هذا النظام (القبول المؤقّت للسلع) وأّنّ التهرّب الديواني يهمّ عادة البضائع التي توظَّف عليها أداءات كبيرة.
وخلُصت الدراسة إلى أنّ المشكل لا يكمن في مجلة الديوانة في حدّ ذاتها ولكن في تطبيق فصولها وإجراءاتها وكثرة الاستثناءات التي تحتويها.
وهو ما يدعو إلى ضرورة تكثيف الرّقابة، التي ظلّت منقوصة وغائبة أحيانا، خاصة على الشركات التي تستعمل نظام القبول المؤقت للسلع. كما أنّه من الضروري الحدّ من التدخل البشري على مستوى التصاريح الديوانية بما يضمن شفافيّة أكبر في المعاملات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ إيقافات جديدة بمقتضى قانون الطوارئ شملت، يوم الجمعة الماضي، إطارا ديوانيا متقاعدا برتبة عميد و3 رجال أعمال متهمين في قضايا تهريب وتهرّب جمركي.
وتعلّقت بالإطار الديواني المذكور شبهة فساد إداري ومالي، وورد اسمه في بعض الملفات، على غرار ملف تهريب الموز والخردة ويشتبه في أنّه مورّط، بحكم عمله سابقا في مطار تونس قرطاج، في عمليات ارتشاء متعلّقة بتهريب المجوهرات والعملة الصعبة.