تشارك نساء تونس رفيقاتهن في كلّ أنحاء العالم إحياء ذكرى 8 مارس: اليوم العالمي للمرأة. فماذا يمثل هذا اليوم في ذاكرة النّساء؟ ولماذا كان حدثا فارقا في التاريخ النضالي لنساء كلّ العالم؟ ما هو الوضع الذي تعيشه المرأة التونسية اليوم؟ ما الذي تغيّر في أوضاع التّونسيّات بعد ثلاث سنوات من ثورة الحريّة والكرامة والمساواة؟ كيف يمكن أن تغير المرأة التونسية من واقعها الاقتصادي والاجتماعي وتساهم في رسم غد أفضل لها ولكلّ التونسيين.
المرأة تاريخ حافل بالنضال
يعود إحياء ذكرى 8 مارس إلى أبرز محطّة نضالية للمرأة العاملة عبر التاريخ. ففي سنة 1856 خرجت النساء العاملات بالآلاف للاحتجاج في شوارع نيويورك على الظروف اللاّإنسانية التي كن يجبرن على العمل في ظلّها. ورغم تدخّل الشرطة بطريقة وحشيّة لتفريق المتظاهرات إلاّ أنّ المسيرة نجحت في دفع السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية. وفي 8 مارس 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرّة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في حركة رمزية اخترن لها شعار “خبز وورود”. وطالبت المسيرة هذه المرّة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حقّ الاقتراع. مثّلت مُظاهرات “الخبز والورود” بداية تشكّل حركة نسويّة متحمّسة داخل الولايات المتّحدة خصوصا بعد انضمام نساء من الطبقة الوسطى إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحقّ في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس يوم المرأة الأمريكية تخليدا لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909. وقد ساهمت النساء الأمريكيّات في دفع الدّول الأوروبيّة إلى تبنّى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة. وفي سنة 1977 أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد يوم في السنة للاحتفال بالمرأة فقرّرت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس الذي تحوّل إلى رمز يخلّد نضالات النّساء ويخرجن فيه عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهنّ.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة التونسية
لقد ساهمت النّساء التونسيّات ومن مواقع متقدّمة في كلّ المحطات النضالية التي شهدتها البلاد. فكانت رمزا للنضال السياسي والاجتماعي. ولعلّ مساهمتهنّ في انتفاضة الحوض المنجمي وثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي 2011 وفي تقويض نظام طالما تشدّق بحقوق المرأة المفرغة من محتواها التقدمي والتحرّري خير دليل على ذلك. ولكن رغم دور النّساء الريادي في الحراك الثوري، وما حقّقنه من مكاسب سياسيّة وقانونيّة فإنّ المرأة لم تجن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي سوى المزيد من التفقير والتهميش. هذا إضافة إلى بروز الأصوات الناعقة الملتحفة بجلباب الدّين والموغلة في الفكر التكفيري المتطرّف الذي يعرّضها إلى اضطهاد فكري آخر ذهب حدّ تحميلها مسؤولية الأزمة الاقتصادية وبالتالي ضرورة العودة بها إلى البيت لحلّ أزمة البطالة والتشغيل. وبالنظر إلى بعض المعطيات دون الغوص كثيرا في الأرقام يمكن لنا ملاحظة التّراجع الكبير والخطير لوضع المرأة في تونس بعد الثورة. وتجمع الدّراسات على أنّ نسب البطالة والفقر عند النّساء تتجاوز بكثير نسبها عند الرجال هذا إضافة إلى استغلالهنّ في العمل الهامشي وسوق المناولة ولعلّ وضع عاملات المنازل مثال واضح على هذا الاستغلال، وما تزال أجور النساء أقلّ بكثير من أجور الرّجال في العديد من القطاعات وخاصة في العمل الفلاحي، وتجابه النساء العاملات متاعب اليوم المضاعف بين العمل داخل المنزل وخارجه. وتتقاسم المرأة الريفية الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي شأنها شأن المرأة في المدن رغم بعض الاختلاف.
المرأة الريفية ضحيّة على الدّوام للسّياسات الفاشلة
تمثّل المرأة الرّيفيّة في تـونس أكثر من5،35% من مجموع عدد النساء. كما تشير آخر الإحصائيات لسنة 2011 أنّ نسبة الأمّيّة تتجاوز 30% من مجموع الريفيات. وتتجاوز نسبة المنقطعات عن التعليم في سنّ مبكّر 65% أغلبها لظروف اقتصادية وعدم قدرة الأسرة الريفية على تأمين ذلك، حيث تضحّي عادة بالفتاة لتمكين الولد من الدراسة… كما تبين الأرقام أن 64،5% من الرّيفيات تشتغلن بالفلاحة دون عقود عمل وتغطية اجتماعية وفي ظلّ ظروف غير محترمة لقوانين الشغل من حيث عدد ساعات العمل والمقابل الزهيد الذي لا يكفي للإيفاء بأبسط الحاجيات الحياتية. ولكن الأنظمة المتعاقبة قبل الثورة وبعدها همّشت المرأة الرّيفيّة وقلّصت من فاعليّتها في النهوض باقتصادنا. وتناست أنّ إحداث تنمية ريفية حقيقية لا بدّ وأن ينطلق من اعتبار المرأة الريفية شريكا أساسيّا وفاعلا في كلّ برامج ومشاريع التنمية، بل ومكوّنا رئيسيّا قادرا على المساهمة في تحقيق معدّلات نمو سريعة في كلّ قطاعات الاقتصاد الوطني خاصة القطاع الزراعي إذا ما تمّ تهيئة محيطها الاجتماعي والاقتصادي الذي يمكّنها من أداء عملها بكفاءة. وعلى هذا الأساس ينبغي أوّلا العمل على القضاء على أميّتها، وتحسين ظروف العمل المحيطة بها خاصة في الزراعة، والسماح لها بالحصول على القروض، والعمل على تنمية مهاراتها في الزراعة، وتخفيف حدّة فقرها، وإدماجها في مسارات صنع القرار، والحدّ من كلّ أنواع التلوث في البيئة الريفية التي تضرّ بصحّتها، وتوفير الرّعاية الصّحّيّة الجيّدة في الوقت والمكان المناسبين، والتأكيد على ضرورة ضمان حصولها على دخل مادي عادل يتّفق مع الجهد الذي تبذله.
المرأة العاملة في المدينة والاضطهاد الاقتصادي
في الواقع الوضع الاقتصادي للمرأة الحضرية ليس بأحسن حال من المرأة الريفية. فرغم مساهمتها المهمّة في القطاع الصناعي فإنّ اضطهادها وانتهاك حقوقها الاقتصادية تؤكّده العديد من الدراسات والبحوث الميدانية وخاصة في قطاع النسيج. فعاملات المصانع تعانين العديد من أشكال الاضطهاد من بينها.
العديد من فضاءات العمل في قطاع النسيج والخياطة لا تتوفر فيها مواصفات وشروط ممارسة العمل الصناعي، من شروط الحماية والوقاية وغياب قواعد السّلامة المهنيّة وظروف العمل المريحة..
العديد من المؤسّسات تفتقر إلى فضاء مخصّص للأكل.
تعاني نسبة كبيرة من العاملات من العديد من الأمراض والآلام على مستوى الظهر والأيادي والقدمين بسبب استعمال الكراسي غير المريحة.
تعمّد العديد من المؤسّسات تشغيل العاملات بغير الصيغ القانونية لعدم إثبات العلاقة الشغلية.
تعرّض العاملات إلى الطرد التعسفي في أيّ وقت ودون سابق إعلام.
تعمّد تشغيل العاملات أكثر من 10 ساعات في العديد من المعامل.
عرقلة التّنظّم النقابي في عدد كبير من المعامل.
إنّ من أوكد المهام في تونس بعد الثورة العمل بصفة مزدوجة ضد الاستغلال والتفقير للنساء، وضدّ التمييز والعقلية الذكورية. والعمل على القضاء على كافّة مظاهر التمييز ضدّ المرأة بما يعنيه ذلك من مساواة داخل العائلة وفي الإرث، وتبنّي خطّة فعاّلة للتّصدّي للعنف المسلّط على النساء وسنّ القوانين اللاّزمة لذلك، والعمل على مجابهة تأنيث الفقر عبر منع تهميش عمل النساء وتجريم المناولة وتحقيق ظروف العمل اللائق لهنّ والمساواة في الأجر، وتدعيم المشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة عموما عبر اعتماد المناصفة كمبدأ عامّ، والعمل على مجابهة العقليات المحقّرة للنساء والتي تعرقل حضورهنّ في الحياة العامة.
طارق قرباية