لقد مثّلت السلطة المحلية المنتخبة والمستقلة منذ عشرات السنين طموحا لأجيال متعاقبة ناضلت من اجلها كمشروع وطني تشاركي ومواطني. فكانت البلديات خلال حكم بورقيبة وبن علي أدوات وهياكل منصّبة عبر انتخابات شكلية للمريدين . وعندما حلّ جلّها بعد الثورة وعوّضته النّيابات الخصوصية ظل المواطن التونسي ينتظر انتخابات حقيقية لتشكيل بلديات في خدمته. وهو ما حصل خلال السنة الفارطة ، أي الانتخابات، ليتم انتخاب 7200 مستشار بلدي على المستوى الوطني موزّعين على حوالي 350 بلدية.
وخلال تلك الانتخابات نبّه حزب العمال والجبهة الشعبية بكافة مكوّناتها إلى أن الترشح لخدمة المواطنين صلب البلدية يجب أن يكون نابع عن قناعة بان العمل البلدي لا يمكن أن يكون إلا خدمة للمواطنين ومتابعة مشاكلهم والقيام بكل مسؤولية بمهمات البلديات كمرفق مواطني بالأساس. كما نبّه إلى أن قائمات الائتلاف الحاكم لن تأتى بالجديد، بل سوف تكرّس نفس الفشل الذي وزّعوه على كامل البلاد وعلى كافة المستويات.إلا أن الأغلبية التي تمكّنت بوسائل اقل ما يقال عنها مشبوهة (المال الفاسد وشراء الذمم والبحث عن مواقع نفعية )وما قدمته من برامج لا تعدوا أن تكون سوى برامج ورقية للتمويه و التّحيّل على المواطنين. اليوم بعد مضي السنة على تلك الانتخابات، يمكن أن نقدم بعض الملاحظات بكل موضوعية حتى نقف على جزء من مصداقية ما عبّر عنه حزب العمال والجبهة الشعبية على الأقل في نقطة واحدة متعلقة بالاستقالات الناتجة عن عقلية الهيمنة والانفراد بالرأي وعن تنديد بممارسات متصلة بشبهة فساد أو سوء تصرف أو تحويل البلدية إلى أداة وظيفية لأحزاب الأغلبية الحاكمة. ونقصد بالاستقالات المتتالية تلك التي أعلنها مستشارين بلديين بصفة منفردة أو الاستقالات الجماعية والتي بموجبها يتم إجراء انتخابات جزئية عندما يبلغ عددها النصف من عدد الأعضاء الجمليين.
فمنذ إعلان النتائج النهائية السنة الفارطة، لم تكفّ الاستقالات الفردية من قبل عدد هام يعدّ بالعشرات من بين المستشارين المنتخبين ومردّ ذلك وبصفة غالبة، أنهم لم يجدوا منذ البداية ما كانوا يطمحون إليه من منفعية مباشرة.
ورغم أن تلك الاستقالات لم تؤثر في استمرار نشاط المجالس البلدية المعنيّة ولكنها أرسلت برسائل سلبية تضاف إلى الصراعات من اجل الامتيازات المالية ولعل أشهرها فضائح التسابق لشراء السيارات الفخمة من قبل بعض رؤساء البلديات قبل حتى الانطلاق في معاينة ومتابعة مشاكل المنطقة. فانّ تنامي ظاهرة الاستقالات الجماعية والتي مثلت ردة فعل على تسلط رؤساء بلدياتهم المنتمين سواء إلى حركة النهضة أو النداء أثرت بشكل كبير في تعطل الخدمات البلدية وكرّست إضاعة الوقت والتخلي عن دورها في خدمة المواطنين. لقد جاءت أغلب أسباب تلك الاستقالات معبّرة عن تنديدها بشبهات الفساد وسوء التصرف. ففي 28 مارس 2019 قدّم 10 مستشارين من مجموع 18 استقالتهم من المجلس البلدي ببلدية العيون من ولاية القصرين على خلفية اتهام رئيس البلدية بالانفراد بالرأي وسوء التصرف، حيث آلت الأمور إلى الانتخابات الجزئية وإهدار للوقت، وخلال نفس الشهر انطلقت أزمة ببلدية باردو والجميع يتذكر عنجهية رئيسة تلك البلدية صاحبة مقولة ” من وراء البلايك” حيث قدّم 18 مستشارا بلديا استقالة جماعية من أصل 30 مستشار، وعلل المستقيلون استقالتهم بتفرد رئيسة البلدية التي تنتمي إلى حركة النهضة وكذلك لشبهة فساد وسوء تصرف.
في نفس الإطار قدّمت استقالة جماعية لـ10 مستشارين ببلدية السرس تحت نفس التعلّة المتعلقة ببقية المستقيلين من المجالس البلدية الأخرى. لكن لم يهدأ الأمر عند هذا الحد، بل سريعا ما جاءت استقالة جماعية من قبل 21 مستشارا بلديا من المجلس البلدي بسكرة التابعة لولاية أريانة، وعللّوا استقالتهم تحت نفس العنوان المذكور أعلاه. وعلى عكس الاستقالات المذكورة سلفا، فان الاستقالات التي قدّمها 15 مستشارا من مجموع 24 بالمجلس البلدي بجبنيانة قد أدانها المواطنون لأنها عملية انقلاب على مستشاري الجبهة الشعبية وعلى رئيسة البلدية المنتمية إلى قائمة الجبهة، تلك الاستقالات جاءت نتيجة تحالف بين النهضة والنداء ولم يرد في أسباب استقالتهم أية إشارة إلى شبهة فساد أو سوء تصرف علما وان السيدة جودة الزغيدي هي اول رئيسة منتخبة رفضت التمتع بسيارة خاصة مكتفية بالسيارة الادارية. كما قدم 12 مستشارا ببلدية تيبار التابعة لولاية باجة من أصل 18 مستشارا استقالتهم الجماعية إلى الوالي يوم 13 ماي الجاري على خلفية عدم قدرتهم على التواصل مع رئيسة البلدية علما أنها ترشحت وتم انتخابها عن قائمة النداء.
فهم يتمسّكون بالمناصب متى كانت لصالحهم وينقلبون عليها متى كانت لغير صالحهم، ومتى كانت مسؤولية مواطنية، أخلاقية وسياسية.
نعم، لقد رفعت الجبهة الشعبية خلال الانتخابات البلدية شعار “اليد النظيفة..تبنى بلدية نظيفة”، واعتبرت أن الائتلاف الحاكم بعيد كل البعد عن هذا الشعار، كما نبّهت إلى أن ممثلي الائتلاف الحاكم ليس لديهم برنامج غير مصالحهم وهو ما يتبيّن في الواقع، أمام أعين المواطنين. فلننهض من اجل معاقبتهم في الانتخابات القادمة وليكن درس الانتخابات البلدية دليلا إضافيا على فشلهم الذريع بعد عام من انتخابهم.
لطفي الهمّامي