منذ فضّ اعتصام الخرطوم يوم 3 جوان 2019 من أمام وزارة الدّفاع والذي راح ضحيته العشرات على اثر تفريقه بإطلاق النار من قبل قوات التدخل السّريع، دخلت الحركة الثورية السودانية بقيادة قوى التغيير والتقدم في منعرج التصعيد السياسي عبر إعلان العصيان المدني بكامل التراب السوداني ودعوة السودانيين بالخارج للتجمهر والضغط من اجل تسليم السلطة وافتكاكها من بين أيادي الجيش والمليشيات الشبه عسكرية وأساسا قوات الجنجويد الإجرامية.
كما عملت قوى التغيير كقيادة سياسية للثورة السودانية على الجانب الدبلوماسي وخاصة من جهة الوساطة الإثيوبية والإفريقية التي قابلتها دبلوماسية السعودية والإمارات ومصر الداعمة للمؤسسة العسكرية.
عصيان مدني سلمي وسقوط ضحايا برصاص العسكر
رغم المناورات والضغط ومحاولات تشويه قوى التغيير التي تقود الثورة وتفاوض باسم الشعب المناهض لكم العسكر والمطالب بنقل السلطة إلى المدنيين، إلا أن قوى التغيير تمكنت من المحافظة على مصداقيتها وتمكنت من تنفيذ العصيان المدني في البداية والذي دام حوالي أربعة أيام شلّت على إثرها كافة الحركة الاقتصادية بكامل مناطق السودان وتمكنت من تسيير ألاف الجماهير في الشوارع بطريقة سلمية ومصرة على نفس المطلب. وأمام استمرار تعنت المؤسسة العسكرية دعت قوى المعارضة بمناسبة أربعينية شهداء مجزرة اعتصام الخرطوم في بيان لها أن ائتلاف “قوى إعلان الحرية والتغيير تدعوا ” أن الأحد 14 تموز/يوليو هو يوم “العصيان المدني والإضراب السياسي الشامل في كل القطاعات المهنية والحرفية والعمالية والشعبية في العاصمة القومية والأقاليم بالتزامن مع مواكب الجاليات السودانية بالخارج”.
وهو بالفعل ما نفذته القوى الجماهيرية بكافة أنحاء السودان حيث أن حجم الاحتجاج والتظاهر بلغ أعدادا غير مسبوقة، حيث “وقعت صدامات على بعد حوالي 700 متر من القصر الرئاسي القريب من النيل وتم تعزيز الشرطة بوصول 25 مركبة على الأقل تابعة لقوات الدعم السريع شبه العسكرية، حسبما أفاد أحد مراسلي فرانس برس.
ولمواجهة الطوفان البشري من المتظاهرين عمدت قوات التدخل السريع بدعم من عناصر الجيش والشرطة في قمع همجي للمتظاهرين السلميين مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن سبعة متظاهرين وجرح ما يزيد عن 180 جروحا متفاوتة الخطورة.
أربعينيّة شهداء الاعتصام: يوم دام لكنّه حاسم
إثر المجزرة الجديدة التي نفذها الحكم العسكري السوداني ضد متظاهرين سلميين، وأمام إصرار ثوري من قبل قوى إعلان التغيير وبوساطة أثيوبية افريقية أذعن الجيش إلى مطلب الجلوس على طاولة المفاوضات من جديد والإقرار باستعداده إلى توافق سياسي مع المعارضة.وخلال لقاء مشترك دام يوم ونصف بين الجيش من جهة وقوى إعلان التغيير من جهة وبحضور الوسطاء تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بشأن أغلب المسائل الخلافية المتعلقة بترتيبات الفترة الانتقالية في البلاد، أبرزها الاتفاق الكامل على صلاحيات مستويات الحكم الثلاثة -السيادي، والتنفيذي، والتشريعي- وكذلك الاتفاق على أن تكون مدة الفترة الانتقالية ثلاث سنوات.
واتفق الجانبان أيضا على تشكيل لجنة للتحقيق في حادثة الاعتداء على المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش أي الاعتصام الذي تم فضه يوم 3 جوان من قبل قوات التدخل السريع بقيادة الجنرال وعضو المجلس العسكري “حميدتى”. كما تم عقد مؤتمر صحفي لإعلان ذلك، حيث “وخلال المؤتمر الصحفي، أكد عضو المجلس الفريق ياسر العطا أنه “تم الاتفاق على أن تكون الفترة الانتقالية (لتسليم السلطة) ثلاث سنوات، تخصّص الأشهر الستة الأولى منها لأولوية التوقيع على اتفاقيات السلام ووقف الحرب في كافة أرجاء البلاد”
كما “أعلن العطا أن قوى إعلان الحرية والتغيير ستحصل على 67% من مقاعد المجلس التشريعي والبقية للأحزاب للأخرى”.أما عن الحزب الشيوعي السوداني الذي يعتبر من بين ابرز قوى الثورة السودانية سياسيا وميدانيا ومن خلال ممثله صديق يوسف في قيادة الائتلاف السياسي المعارض فقد عبر عن رضاه عما تحقق في المفاوضات الجارية مع قيادات المجلس العسكري السوداني،كما أضاف ان” المفاوضات التي جرت بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري خلال اليومين الماضيين قطعت شوطاً كبيراً وتعد اختراقاً كبيراً، وتركزت على مهام المستويات الثلاثة للحكم، وهي: مجلس السيادة والمجلس التشريعي والمجلس التنفيذي. استطعنا تثبيت رؤيتنا للمجلس السيادي باعتباره مجلساً تشريفياً يمثل أنحاء السودان كافة، ليست له سلطات تنفيذية أو تشريعية، فقط يقوم بمهام السيادة باعتباره رمز الدولة، يستقبل السفراء الأجانب ويوقّع على الاتفاقيات والقوانين بعد إجازتها”
الدور الخارجي في إبرام الاتفاق بين الجيش والمعارضة
في بداية الثورة حاولت السعودية وحلفاءها في المنطقة حسم أمر الثورة إلى صالح عمر البشير والقضاء على الحركة الثورية منذ المهد لان لها مصالح مشتركة وقوية مع عمر البشير ولعل أهمها مرحليا التدخل العسكري في اليمن والذي تشارك فيه السودان من خلال فيلق تابع الى مليشيات فرقة التدخل السريع المتكون من عناصر الجنجويد. ولما فشلت في ذلك حاولت إنقاذ المجلس العسكري المنقلب على الثورة ودعمته من اجل ربح الوقت حيث ساهمت في خريطة طريق فيما يسمى بالمرحلة الانتقالية بقيادة الجيش ومن اجل تمرير ذلك الاتفاق قامت صحبة مصر والإمارات من تحريض الجيش على فض اعتصام الخرطوم المطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين. وهو ما كبد الجيش خسارة سياسية كبيرة بارتكابه مجزرة حقيقية من القتل والبطش ساهمت في عزلته في المنطقة ودوليا. في الأثناء جاءت الوساطة الأثيوبية وهو وساطة ذات طابع إقليمي يحاول الحفاظ على الاستقرار في المنطقة والاستمرار في التعاون الاستراتيجي بين أثيوبيا والسودان لحماية مصالحهم ضد مصر التي تدير السيطرة والتحكم في مجاري النيل وكذلك في منابعه التي تعود إلى بحيرات فكتوريا بمناطق أثيوبيا. كما أن القيادة السياسية الأثيوبية لها مصلحة في استمرار السلم بالمنطقة نظرا للارتباط الجغرافي والامتداد العرقي القبلي بينها وبين السودان. حيث تميزت الوساطة الأثيوبية بالقدرة على إحداث توازن بين الجيش السوداني والقوى السياسية التي تقود الثورة مما جعلها وساطة ومنذ البداية ناجحة في تحديد ملامح الفترة الانتقالية للحكم في السودان.
اتفاق المرحلة الانتقالية: انتصار للثورة أم فاصل في المعركة ؟
لقد خرجت الجماهير السودانية بما فيها أنصار إعلان قوى التغيير للتعبير عن الفرح والانتصار إثر إعلان الاتفاق بين الجيش والمعارضة على أن تكون المؤسسات الثلاثة القيادية في البلاد ممثلة للمدنيين والجيش معا.ورغم أن الاتفاق يعبر عن موازين قوى سياسية وميدانية إلا أن الخطر في الاتفاق أن قائد القوات السريعة لا يزال يقود المشهد السياسي العسكري وهو المعروف بانقلاباته ودمويته خلال فترة حكم البشير وبعده. كما أن لديه ارتباطات إقليمية معادية للثورة السودانية وتحديدا السعودية. مما يعنى أن الاتفاق الحاصل من اجل تامين المرحلة الانتقالية سوف يظل رهين قدرة إعلان قوى التغيير على قلب موازين القوى لصالحها والمناورة الجيدة لصالح الثورة في علاقة بحميدتي القائد الجنجويدي الخطير.
الاتفاق بين المجلس الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وفقا للحزب الشيوعي السوداني
”الاتفاق حول المجلس السّيادي(5/5) وشخصية مدنيّة مستقلة(11) وفترة انتقالية بـ39 شهر، منها21 شهر للمجلس العسكري، و18 شهر لقوى الحرية والتغيير، وتم تكوين لجنة قانونية لصياغة الاتفاق خلال 48 ساعة، لعرضه على الكتل والأحزاب المكوّنة لقوى الحرية والتغيير وإرجاء المجلس التشريعي، بالتالي فإنه من السابق لأوانه الحكم عليه قبل دراسة الاتفاق بكل تفاصيله وإبداء الملاحظات النهائية حوله.”
أحمد المولهي