أيّ استراتيجيا عزل في مواجهة وباء “الكورونا” في تونس؟

(ترجمة زياد بن عبد الجليل)

قام فريق من الباحثين* من معهد باستور بنشر دراسة جديدة** لاختبار فرضيات مختلفة لمقاومة انتشار وباء كوفيد-19 في تونس.

تقديم الدراسة (ترجمة)

قمنا ببناء مثال متعدد المعطيات لمحاكاة نتائج مختلف فرضيات مقاومة انتشار فيروس كورونا المستجد. وبالتحديد قمنا باختبار فرضيات الامتثال لإجراءات الحجر الصحي وفرضيات تعميم التحاليل المخبرية لتشخيص الفيروس على انتشار العدوى وفرضيات وجود فضاءات ذات كثافة عالية داخل الأحياء السكنية (أسواق، مساحات تجارية…).

افتراضات المحاكاة (simulation):

نسعى عبر مختلف الافتراضات إلى اختبار تأثير الفضاءات ذات الكثافة العالية (المنطقة الساخنة – Hot Zone) وتأثير مدة الحجر الصحي ونسبة الامتثال له على نسبة انتشار العدوى بين السكان. كما نتناول بالدرس نجاعة استراتيجيات القيام بالتحاليل المخبرية لتشخيص الفيروس حسب فرضيتين: التحليل المعمم دفعة واحدة أو التحليل المعمم على دفعات يومية.

نجاعة الاحتواء:

قمنا بمحاكاة تأثير العزل الصحي طيلة مدّة الوباء (المنحنى 1)، حيث افترضنا وضعيتين: احترام العزل من قبل 70٪ أو 90٪ من السكان، ثمّ اختبرنا في الحالتين وجود وغياب “مناطق ساخنة” (أسواق، مساحات تجارية كبرى…). لاحظنا في كلتا الحالتين (عزل بنسبة 70٪ و90٪)، أنّ غياب “مناطق ساخنة” يحط من نسبة المصابين إلى ما دون 2.5٪. وتنخفض نسبة المصابين إلى حدّ 1٪ عندما يشمل العزل نسبة 90٪ من السكان (المنحنى 1 أ). وبالمقابل، فإنّ وجود “منطقة ساخنة” واحدة، أمّا في حالة تطبيق العزل بنسبة 70٪، ترتفع نسبة المصابين إلى 10٪ من السكان (المنحنى 1 ب).

ثم قمنا بمحاكاة تأثير مدة العزل الصحي على انتشار الوباء (المنحنى 2)، حيث اعتبرنا أنّ 70٪ من السكان يحترمون العزل الصحي وقمنا باختبار 4 فرضيات لمدة العزل: 1 أو14 أو90 يوما أو طوال فترة الوباء بأكملها. نلاحظ أنّ العزل الصحي لمدة 14 أو 90 يومًا له نفس التأثير، حيث تتراجع نسبة المصابين خلال ذروة الوباء من 80٪ (دون عزل صحي) إلى 30٪ من السكان.

نجاعة التحاليل المخبرية المعمّمة لتشخيص الإصابة بالفيروس:

لدراسة تأثير إجراء تحاليل مخبرية واسعة النطاق على انتشار الوباء (المنحنى 3)، قمنا باختبار حالتين رئيسيتين: إجراء التحاليل المخبرية يوميا على نسبة من الأفراد أو دفعة واحدة في يوم محدّد. في كلتا الحالتين وقع اختبار نسبتين مفترضتين لتعميم التحليل (على 20٪ أو 80٪ من السكان). اعتمدنا في مختلف فرضيات تعميم التحليل المخبري، تواجد 5 أفراد مصابين في بداية الوباء، وهو ما يمثل نسبة 5٪ من السكان المصابين في اليوم الأول.

نجاعة الاختبار المعمّم دفعة واحدة:

لدراسة تأثير التحاليل المخبرية المعمّمة دفعة واحدة في يوم واحد على انتشار الوباء (انظر المنحنى 4)، قمنا بمحاكاة فرضيتين: القيام بالتحاليل ابتداء من اليوم الخامس (انظر المنحنى 4أ) أو في اليوم العاشر (انظر المنحنى 4ب).

عندما يتمّ تعميم التحاليل المخبرية دفعة واحدة في اليوم الخامس من بداية الوباء، لاحظنا تقلّصا مهمّا في نسبة الإصابة بالفيروس. إنّ تعميم التحليل على 80٪ من السكان في اليوم الخامس يحطّ من نسبة الإصابات إلى 10٪ من السكان، مقابل 50٪ في غياب القيام بالتحاليل المعممة. وفي حالة تعميم التحليل المخبري على 20٪ من السكان تصل نسبة الإصابة إلى 35٪.

لاحظنا نفس النتيجة في حالة تعميم التحاليل دفعة واحدة في اليوم العاشر. حيث تتراجع نسبة العدوى من 50٪ (دون اختبار) إلى 30٪ تقريبا إذا شملت التحاليل 80٪ من السكان (انظر المنحنى 4ب) وإلى حوالي 45٪ إذا شملت التحاليل 20٪ من السكان.

علما وأنّ هذه النتائج تفقد قيمتها في صورة عدم انطلاق الاختبارات مبكّرا.

نجاعة تعميم التحاليل المخبريّة يوميّا:

لدراسة تأثير تعميم التحاليل، في حالة القيام بها بشكل يومي، على تفشّي الوباء (انظر المنحنى 3)، قمنا باختبار فرضيتين: تعميم التحاليل والقيام بها يوميا منذ اليوم الأوّل من الوباء (انظر المنحنى 3أ)، أو انطلاقا من اليوم العشرين من الوباء (انظر المنحنى 3ب).

لاحظنا تراجعا كبيرا لعدد الإصابات في الفرضية الأولى التي تعتمد التحاليل المعمّمة اليومية منذ البداية (انظر الرسم 3أ) لتتقلّص نسبة الاصابة من 47٪ (عدم إجراء التحاليل المعمّمة) إلى 9٪ في حالة تغطية 80٪ من السكان وإلى 12٪ في حالة تغطية 20٪ من السكان.

بالمقابل تصبح عملية التحليل المعمّم اليومي دون جدوى للحدّ من انتشار الوباء إذا تمّ القيام بها في فترة متأخرة (بداية من اليوم العشرين)، حيث لاحظنا أنّ التراجع ضعيف ولا يتجاوز نسبة 5٪ من عدد المصابين مهما كانت نسبة السكان الذين خضعوا للتحليل (20٪ أو 80٪). وهو ما يؤكّد أنّ سياسة تعميم التحاليل تفقد نجاعتها في الحدّ من انتشار المرض إذا لم يقع اللجوء إليها مبكرا.

استنتاجات واستشراف

 استنادا إلى هذه الدراسة نتقدّم بالتوصيات التالية لمقاومة تفشّي الوباء:

1. ضرورة توعية الشعب حول أهمية العزل الصحي
2. ضرورة الاستعاضة عن المساحات التجارية الكبرى بتجارة القرب خلال فترة العزل (الدكاكين والمحلات التجارية في الأحياء) مع التشديد على تطبيق إجراءات الوقاية فيها (احترام مسافة المتر بين الحرفاء، المواظبة على التعقيم)
3. غلق كل المصانع والورشات والمحلات غير المرتبطة بإنتاج وتوزيع المواد الأساسية (غذاء، صحة، طاقة…)
4. على الدولة أن تعمل على إيصال المساعدات العينية للعائلات المعوزة في منازلها عوض صرف إعانات مالية يضطرون لسحبها من مكاتب البريد لتفادي ما ينجرّ عن ذلك من اكتظاظ.
5. على الدولة أن تضمن تموين المواطنين في الأرياف بالمواد الأساسية للحد من انتقال العدوى للريف.
6. أثبتت الدراسة أنّ أمثل استراتيجية هي تعميم التحاليل منذ اكتشاف الحالات الأولى. لكنّ تلكّؤ الحكومة في ذلك أضاع علينا وقتا ثمينا للتّوقّي من انتشار العدوى. لذلك يبقى الانضباط للعزل الصحي أفضل مقاربة متاحة لنا الآن. إنّ متابعة تطوّر الوباء في تونس يتطلب القيام بالتحاليل على عيّنات من الناس على مدّة طويلة إضافة إلى التحاليل الموجّهة للحالات المشتبه فيها.
   

   فريق البحث العلمي لحزب العمال

   ______________________________________________________________
   هوامش

   المنحنى 1: تأثير الالتزام بالعزل الصّحّي الشّامل على انتشار مرض كوفيد-19

   

(1أ) دون وجود فضاءات عالية الكثافة (مناطق ساخنة)

 

(1ب) في حالة وجود فضاءات عالية الكثافة

 

المنحنى 2: تأثير مدة العزل الصحي الشامل على انتشار وباء كوفيد–19 (باعتبار الإلتزام بالحجر بنسبة 70 ٪)

المنحنى 3: تأثير تعميم التحاليل المخبرية بشكل يومي لتشخيص مرض كوفيد-

 

(3أ) باعتبار القيام بالتحليل ابتداء من اليوم الأول للوباء

 

(3ب) باعتبار تعميم التحليل انطلاقا من اليوم 20 ابتداء من بداية الوباء

المنحنى 4: تأثير التحليل المعمّم دفعة واحدة في يوم واحد

 

(4أ): في اليوم الخامس من الوباء

(4ب) في اليوم العاشر من الوباء

 

 

[*]     . فريق العمل : درّة اللواتي، غسان الحداد، وليد بالضيافي، نرجس بالأمين، أميرة كبير، أمين كشو، سليمان بن ميلاد.

[**]     . رابط الدراسة:

https://www.researchgate.net/publication/340183482_ABM_model_to_explore_containment_and_screening_policies_to_control_COVID-19_virus_spread