وباء الكورونا: ماذا عن البلدان الإفريقية؟
حتى في المآسي الجماعية، فإنّ حظ إفريقيا من الإعلام البورجوازي يبقى ضئيلا إلى درجة أنّ البعض ظنّ أنّ هذه الجائحة لم تشمل البلدان الإفريقية، والحقيقة أنّ الأوضاع في معظمها كارثية.
ففي بوركينا فاسو مثلا والتي تُعتبر أكثر بلدان إفريقيا الغربية إصابة بهذا الوباء، فإنه تمّ إلى تاريخ 28 مارس تسجيل 200 إصابة مؤكّدة و7 وفيات و10 حالات شفاء (وهي الأرقام التي أتاحتها عمليات التحليل المنجزة والتي لم تشمل إلاّ عددا ضئيلا من المواطنين). وقد اتخذت السلطات إجراءات الحجر الصحي بإعلان حظر الجولان من الساعة السابعة مساء إلى الخامسة صباحا، وغلق المدارس والمؤسسات الجامعية، وكذلك الفضاءات العمومية كالمقاهي والمطاعم وإغلاق العاصمة واغادوغو وعزلها كليا عن بقية البلاد، وهي التي تضمّ أكبر عدد من المصابين، في محاولة للحد من انتشار الوباء.
لكنّ هذه الإجراءات سرعان ما أظهرت محدوديتها لأنها كشفت عن الوضعية الكارثية للمنظومة الصحية في البلاد التي أصبحت عاجزة عن تأمين العلاجات الأولية التي تتطلبها صحة المواطنين، وذلك منذ أن شرعت بوركينا فاسو كغيرها من المستعمرات الجديدة في مختلف القارات في تطبيق “برنامج الإصلاح الهيكلي” السيئ الصيت المملى من قبل المؤسسات المالية العالمية في تسعينات القرن الماضي، ومن نتائجه تقليص الميزانية المخصصة للصحة العمومية طوال العشريات الثلاثة الأخيرة. وهو ما ثار ضدّه العاملون في هذا القطاع على مرّ السنين. ولعلّ الإضراب الذي خاضه أعوان الصحة العمومية من 21 إلى 25 ماي 2019 خير دليل على ذلك. وقد طالبوا بتحسين ظروف العمل، وتزويد المستشفيات بالأدوية والتجهيزات الضرورية وفتح باب الانتداب للإطارات الصحية لتعويض النقص الذي تشكو منه جميع المؤسسات الاستشفائية.
وهذه الوضعية هي التي جعلت البلاد عاجزة عن مواجهة الوباء الجديد، فعلى سبيل المثال، فهي لا تحتوي سوى على مخبر وحيد لإجراء التحاليل الخاصة بـ”الكورونا” في العاصمة. وهو ما جعل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية تطلق صيحة فزع للعمل على تجنب الكارثة. وقد توجّهت “تنسيقية العمل النقابي” التي تضمّ المركزيات النقابية الستة الناشطة بالبلاد بلائحة مطالب لسلطات البلاد تتمثل في:
• تعزيز إمكانيات خط المواجهة الأول بتمكين الأعوان من الأجهزة الضرورية
• تسهيل الوصول إلى مراكز التحليل المجاني والتكفل بالمواطنين المصابين
• مواصلة الحملات التحسيسية للمواطنين وتعزيزها
• تمكين كل المؤسسات العمومية والخاصة من أجهزة لتعميم غسل الأيدي واستعمال المواد المطهّرة
• اتخاذ الإجراءات اللازمة لمراقبة أسعار بيع المواد الخاصة بمقاومة الوباء والمواد الأساسية لقطع الطريق أمام الاحتكار والمضاربة
وعلى المدى المتوسط، نطالب بـ:
• تعليق العمل ببعض الضرائب والأتاوات وخلاص فواتير استهلاك الماء والكهرباء ودفع معاليم الأكرية بالنسبة إلى الفئات الفقيرة والهشة
• إعادة جدولة القروض البنكية بالنسبة إلى الفئات الشعبية الأخرى
• التخفيض في أسعار الموادّ الأساسية
• التكفّل بجميع أنواع العلاجات الأوّليّة مجانا لجميع المواطنين
• التّرفيع في طاقة استيعاب المؤسّسات الصّحّيّة
وبالنسبة إلى العاملات والعمال، نطالب بـ:
• احترام إجراءات الوقاية
• التزام الجميع باليقظة للتمكن من قطع سلسلة تفشي العدوى
وقد أتاحت هذه الظروف الفرصة للقوى التقدمية، سياسية كانت أم مدنية لتعزيز العمل المشترك فيما بينها والقيام بدورها كاملا خلال هذه الفترة الحرجة والشروع في التفكير فيما بعد الجائحة الذي لن يكون بأيّ حال من الأحوال على شاكلة ما سبقها، خاصة والبلاد تزخر بثروات باطنية لا حصر لها بما فيها الذهب والأورنيوم والكوبالت، جميعها مستباحة من قبل الرأسمال الامبريالي وبتواطؤ من النظام القائم.
مرتضى العبيدي
2020-04-05
إلى الأعلى