مـِــــن دُروس الفـيـْـروس
القول بأنّ الأمر مُستراب فهذا شيء مُرجّح لا بل أكيد، لأنّ ما وقع فريد وغريب وقلب العالم عالِيه سافله وأحدث اهتياجاً إعلاميّا استثنائيّا وهذا ما يجعلنا ندعو إلى مضاعفة الاحتياط. وحتّى إن بدت نظرية المؤامرة والحرب الجرثومية وكأنّها بلا سند ولا قرائن ولا حُجج، على الأقلّ إلى حدّ الساعة، فإن ضِلٌّ من الشك باقٍ وإن التاريخ يُعلّمنا أنّه في سبيل المزيد من الأرباح ومن أجل التوسّع والهيمنة فإنّ الرأسمالية اقترفت أبشع الجرائم وأنفقت الكثير من الأموال ودمّرت العديد من الأوطان وشرّدت وقتلت الملايين وأبادت شعوب بأكملها.
ومن هذه الزاوية، فإنّه لِزاما علينا استخلاص الدّروس من هذه الجائحة، في انتظار ما سيحدث في قادم الأيام من تطوّرات:
1/ فشل الليبرالية المتوحّشة التي فاقمت التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وبين الشعوب والبلدان والتي عمدت إلى خوصصة كل القطاعات وكما يُقال (quand tout sera privé nous serons privés de tout)، فبالدّليل والبرهان نجد أن البلدان التي نجحت في السيطرة على الوباء هي التي راهنت أساسا على صلابة القطاع العامّ.
2/ بروز الوجه البشع للعولمة، نقصد عولمة الفقر والبؤس والمرض وانتهاك البيئة وانتشار الأوبئة، عولمة التضليل والتأثير والتوجيه. كما ظهر بمزيد من الوضوح أن اللّهث وراء الربح يُوقف الربح، وفتْح الحدود يؤدي إلى غلق الحدود، والهيمنة الثقافية تُفضي إلى الانغلاق الهويّاتي و إلى ازدهار الشعبويّة والنزعات العنصرية..
3/ انكشاف نفاق الدول العظمى التي لا تكترث بضحايا الإرهاب والتّهجير والحروب والتطهير العرقي وغطرسة الكيان الصهيوني ولا بضحايا بلدان الجنوب والأحياء الفقيرة و الذين يموتون يوميّا بالآلاف نتيجة الجوع والمرض بداء السُلّ والملاريا والإيبولا والسّيدا..
4/ إنّ الديمقراطية السياسية تبقى محدودة الفاعلية ومهدّدة إذا لم تكن مصحوبة بالديمقراطية الاجتماعية.
5/ أنّه في زمن الأزمات، ومن أجل الاستفادة من الأوضاع وتوظيف الوباء، يحتدّ الصراع بين الامبرياليّات وبين الشركات المتعدّدة الجنسيّة وبين مخابر الأدوية وبين المُضاربين والاحتكاريين وبين شركات التأمين التي تبتهج أشدّ ابتهاج لتخلّصها من عبء مئات الآلاف من العُجّز والمرضى وكبار السنّ وبين المؤسسات المالية التي ضخّت آلاف التريليونات من الدولارات في السّوق العالمية وبين المتهافتين على جني المكاسب من انهيار أسعار المحروقات..
6/ التأكّد من القدرة الخارقة للإعلام، وخصوصا الإعلام الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، على التحكّم في الجموع وهندسة الأذهان وصناعة الرأي العامّ والتأثير في السياسيّين وتثخين جيوب المترفين.
7/ أنّه كلّما استفحلت الأزمة الاقتصادية واستعصت عن الحلّ، إلاّ ولجأت البرجوازية إلى الحلول القصوى، أي إلى الحروب والتدمير والإبادة من أجل إنقاذ النظام وتحقيق الانتعاشة
8/ إنّ تكاليف الوباء، البشرية منها أو المادية، ستسدِّدها وتدفع فاتورتها بالأساس الطبقات الكادحة والمُفقّرة والشعوب المنهوبة والمضطهدة
9/ إثبات أنّ الشعب التونسي يضمّ في صفوفه كمّ هائل من الطاقات والكفاءات القادرة على الابتكار والإبداع، على شرط تقليص العراقيل البيروقراطية وتوفير الحدّ الأدنى مِن الإمكانيات المادية ومِن الإرادة السياسية، وأنّه من الوضاعة والحِطّة مواصلة السير في نهج الاستسلام والارتهان لأنّ الإنسان هو أثمن رأسمال
10/ تُعدّ الأوبئة من الخِبرات الاجتماعية التي تترك تأثيرات نفسية على أجيال كاملة والتي لها انعكاسات اجتماعية طويلة المدى. ولكن العالم لن يكون مختلفا بعد أزمة وباء الكورونا، فالفيروس لا يكتب التاريخ، وحده الإنسان من يُحدّد مصيره ويصنع التاريخ، فلْنستخلص أعظم درس من الأزمة، ألا وهو ضرورة النّضال من أجل تغيير نموذج المجتمع الحالي، تغيير المجتمع الذي تسود فيه الأنانية والفردانية والاستغلال ونزعات الهيمنة وحبّ المال…، تغييره إلى مجتمع لا تسود فيه الملكية الخاصة التي بواسطتها يتسلّط المرء على عمل الغير ويستعبده شرّ استعباد، مجتمع ينتفي فيه الاستغلال، مجتمع يعمل على تعزيز التضامن بين جميع الشعوب، مجتمع يحترم البيئة ويحتقر الرّياء..، فمن دون هذا التغيير ستتواصل الأزمات وستتفاقم وستكون كل أزمة أشدّ و أشقّ من سابِقاتها، فلا خيار إذن للإنسانية: إمّا الاشتراكية أو البربرية.
ماهر الزعق
2020-04-10
إلى الأعلى