عمار عمروسية
لقد فعلها الشعب الفلسطيني مرّة أخرى وفجرّ انتفاضته الباسلة في توقيت لا يفهم إيقاع إنسيابه سوى الواقعين تحت بطش الاحتلال وغطرسته.
بين الأسطورة والواقع مسافة كبيرة، فطائر الفينيق المتجدّد من رماد ناره مجال وجوده المخيال فقط. أمّا إطلالة الفينيق الفلسطيني فهي واقعيّة ملموسة للعيان نجدها في المقاومة المسلحة وفعاليات النضال الشعبي.
للأسطورة منطقها وحدود سياقاتها وللواقع أحكامه الموضوعية وقوانين تطوّره التّاريخيّة. وأوجه التلاقي بينهما في قضية الحال هي العودة من رحم الألم وإلإصرار الذي لا يلين على البقاء والحياة.
فالشعب الفلسطيني من خلال فعاليات انتفاضته الحالية أعاد بوصلة كلّ العالم تقريبا إلى الاهتمام بحقّه في التّحرّر الوطني وبناء دولته الديموقراطية المستقلّة على كلّ أرض فلسطين التّاريخيّة.
فانتفاضة هذه الأيّام بعثرت جميع حسابات قوى العدوان ووضعت حركة التّحرّر الوطني الفلسطيني على أعتاب طور جديد يقرّب ساعة الخلاص النهائي وفي أسوإ الحالات ينذر بمصاعب كبيرة قادمة للكيان الصّهيوني.
فانتفاضة اليوم وسّعت جغرافيا الحراك كما لم يحدث من قبل وصهرت قوى شعبية واجتماعيّة بشكل غير مسبوق.
وفوق ذلك جمعت بين قوّة المقاومة المسلّحة وتصميم النضال الشعبي.
كلّ الأراضي المحتلة بأشكال مختلفة ساحات مقاومة لا تلين وجبهات رفض تعزّزت بالدّخول القويّ لفلسطينيي المدن والبلدات المحتلّة منذ 1948.
“يافا” و”حيفا” و”عكّا و”اللّد”والقدس الخ… تلك الفضاءات التّي أطاحات بالعقود الطويلة من سياسة “الأسرلة “ووضعت نفسها في عمق الانتماء الوطني الفلسطيني الذي عانق هدف سلاح المقاومة في غزّة وخروج أهالي الضفة الغربية عن ميوعة موقف السلطة الفلسطينية.
طائر الفينيق الفلسطيني خرج من سياق عالمي وعربي منتشي بسيادة قوّة الهيمنة الامبريالية وصنيعتها الدولة الصهيونيّة التي عملت بوتائر متسارعة على تنشيط قطار التطبيع والخيانة وأخرجته من مجاله القديم (مصر، الأردن…) وأوصلته إلى دول جديدة بالوطن العربي مثل “الإمارات”، البحرين، عمان، السودان..
وسط هذا الانهيار الخطير للنظام العربي الرسمي وانفتاحه على خطط تدحرج فظيع أشدّ خيانة وغدرا أطلّت الانتفاضة لترسم أفقا جديدا ليس فقط لحركة التّحرّر الفلسطيني وإنّما لمجمل حركة التّحرّر العربية.
فالحجر الأساس لهذا التّقهقر تمّ إسقاطه نهائيا ونقصد بذلك صفقة القرن الغادرة.
وقطارالتّطبيع مربك إلى حدود كبيرة وأهمّ قطعات شطرنجه تعيش وضعا أمام نهضة شعوبها المندفعة نحو الانتصار الحقّ الفلسطيني.