المالكي بوبكري
يقاس نجاح كلّ عمل سياسي بنتائجه الملموسة وبتأثيرها في واقع حياة كل مجتمع، ليرتقي من مستوى اقتصاديّ واجتماعي وثقافي غير متوازن وضعيف إلى مستوى جديد يتخطّى فيه كل النقائص والمعوقات ويذلّل أكثر ما يمكن من التفاوت الاجتماعي.
ويعود تحقيق النتائج المرجوّة، وخاصة في المجالات الملحّة، إلى مدى انسجام برنامج الحزب أو التحالف الحزبي مع واقع الشعب العامل وانتظاراته. كما يرتبط التقدم في الإنجاز بتطوّر الوعي الاجتماعي وارتقائه إلى مستوى معيّن يسمح للطبقات والفئات المتضرّرة من الخيارات الحكومية اللاشعبيّة فهْم محيطها الطّبقي بمختلف منازعه وحقيقة الأحزاب السّياسية والمنظمات والجمعيات التي تضطهدها وتخضعها للاستغلال تحت عناوين عامّة ومجرّدة وتَعِدها في ذات الوقت بتغيير حياتها تغريرًا وإيهامًا.
والأهمّ من ذلك كلّه مدى قدرة القيادة السياسيّة على المحافظة على بناءها التنظيمي وخطّها السياسي وجاهزيتها في إقناع قاعدتها الاجتماعية وباقي الشّرائح المعنيّة باستبدال المنظومة السائدة، بموضوعيّةِ وعقلانيّةِ برنامجها.
إن البرنامج باعتباره صيغة دقيقة لطبيعة الواقع ولمتطلّباته، هو حجَر الزاوية في إحراز التقدم وبناء حياة اجتماعية جديدة ومختلفة عن واقع الإكراه على توافق طبقي يستحيل تطبيقه. وهو ما تفتقر له أحزاب الحكم في بلادنا، أحزاب عديمة الإيمان بنفسها، متردّدة ولا تمتلك الجرأة لتلبية أهداف الثورة نظرا لارتباطها منذ تأسيسها بقوى الإستعمار والطائفية والدينية وكذلك لمهادنتها أنظمة الاستبداد .
لقد تبيّن إفلاس اليمين الحاكم بكافة أشكاله، الديني الأصولي والليبرالي “الحداثوي” وجميع معاونيه من الشعبويّين والإنتهازيّين وثبت عجز هذه الأحزاب لفقدانها لبرامج ومخططات اقتصادية واجتماعية دقيقة وافتضح أمر ارتباطها بلوبيّات الفساد من كبار السماسرة والمهربين وتجّار الأزمات في الداخل وبقوى الرأسمال العالمي التوسّعي ومؤسّساته النّهابة .
اليوم، وبعد عشر سنوات من سقوط الدكتاتورية لا توجد منطقة وسطى بين أقطاب السلطة المتحالفة في السّطو على الثروة الوطنية وإغراق البلاد في المديونية والفقر والبطالة، وبين قوى الاستبداد الحالمة بالعودة إلى الحكم وتنفيذ إملاءات المحاور الدولية.
لا توجد توافق بين هذه المشاريع؛ إمّا ديمقراطية برجوازية فاسدة وعاجزة مبنيّة على التغرير والكذب والعمالة، أو ديمقراطية شعبية تعود فيها السلطة الفعلية للشعب من خلال محاسبة ممثليه وسحب الثقة منهم كلما اقتضى الأمر؛ إمّا سياسة برجوازية مغلفة بالدين وشعبويّة سِمتها الغموض وتتستّر وراء الصّراخ الأجوف حول “الوطنية” و”قَطْعِيّة الدستور”، أو خيارات سياسية وشعبية ديمقراطية تفكّ عِقال الحرية والعدالة الإقتصادية والإجتماعية والمساواة.
على كلّ الشّرائح والقطاعات المهنية من عمّال وفلاحين وأُجراء وتجّار ومعطلين ومثقّفين ومهمّشين أن يرصّوا صفوفهم ويتجاوزوا النّضالات المطلبيّة الجزئية والضيقة التي من شأنها أن تفقدهم استقلاليتهم السياسية وتضيّق أفقهم، وينخرطوا في النّضال السياسي الطّلائعي التقدمي والثوري والتي، أي هذه الأحزاب، عليها نفسها أن تتطوّر أسلوبا وأداة وفكرًا وترفع الطاقات النضالية لجماهير شعبنا لأجل خوض معركة الديمقراطية الشعبية المطروحة علينا في هذه المرحلة، وبناء سلطة الشعب الحقيقية التي تقِرّ كل الحقوق وتحقق العدالة والمساواة والسيادة الوطنية .