منذر خلفاوي
شهدت أغلب مدن كازاخستان أحد أكبر بلدان الاتحاد السوفياتي سابقا والتي تضم 18 مليون ساكن نهاية شهر ديسمبر تحركات شعبية كبرى كان القادح المباشر لها مضاعفة أسعار المحروقات وخاصة الغاز. ويمكن اعتبار احتداد القمع وانتهاك الحريات السياسية وصراع أجنحة الحكم بلا شك عوامل رئيسية للاحتجاج بالنظر إلى نضال الطبقة العاملة وعامة الشعب المتواصل من أجل الحقوق والحريات في ظل الحكم الفردي والاستبداد منذ تفكك الاتحاد السوفياتي واستقلال البلاد سنة 1991.
بداية شهر جانفي 2022 التحقت الطبقة العاملة بالتحركات والإضراب عن العمل في عديد المناجم ومؤسسات الطاقة للمطالبة بالتراجع عن زيادة الأسعار ومن أجل تحسين المقدرة الشرائية والتصدي للطرد من العمل الذي شمل قرابة 30000 عامل المحالين على البطالة خلال شهر ديسمبر 2021 فقط بدعوى استنفاد المناجم لطاقتها. كذلك تم التركيز على مطلب حرية إنشاء النقابات وحرية العمل النقابي…الخ
لقد عمت الاجتماعات العامة والاعتصامات والنقاشات السياسية ورفع شعار ديقاج في وجه رموز السلطة وعلى رأسها الرئيس الأسبق نور سلطان نزارباييف الحاكم الأسبق الدكتاتور لمدة ثلاثين سنة والذي رتّب تنصيب خلفه توكاييف ويواصل ترؤسه حاليا لمجلس الأمن الوطني.
كان السكان يدعمون المضربين بالأكل ويقومون بجمع التبرعات وقاموا بسد منافذ المطار لمّا سمعوا نبأ قرب وصول القوات الروسية. وسارعت السلطة بالقمع الدموي لإخماد الانتفاضة مستنجدة بالامبريالية الروسية التي لم تتردد في بعث قوات خاصة لكازاخستان تحت غطاء الاتفاق المبرم ضمن منظمة اتفاق السلم الجماعي التي تم انشاؤها سنة 2002 بتعلة أنّ وراء الأحداث جماعات إرهابية مندسّة تعمل على التخريب وزعزعة الاستقرار وهي الرواية التي روّجها النظام وتردّدها القوى الامبريالية كالصين وروسيا المساندة بالنظر إلى مصالحهما الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية. فالأولى تعتبرها حلقة متقدمة في برنامجها الاقتصادي للاستثمار العالمي والداعم القوي لأمنها العسكري والثانية لمصالحها العسكرية والسياسية. وكذلك بالنظر إلى ما يتمتع به البلد من خيرات تتمثل في الأورانيوم. إذ أنه يتوفر على ثلث المنتوج العالمي ويمثل البترول نصف الميزانية وهو غني أيضا بالنحاس والحديد وهو الحاضن لأكبر شركات تحويل عملة البيت كوين المستهلكة لكميات مرتفعة من الطاقة الكهربائية.
لقد سقط عشرات القتلى وأكثر من ألف جريح من المحتجين واحتجز أكثر من ألفي موقوف ووقع إخلاء المؤسسات الحكومية ومراكز النفوذ من قبل القوات الخاصة الروسية كما سنّ الرئيس قانون الطوارئ وحضر التجول ليلا وبهذا يسدل الستار مؤقتا على ملحمة الشعب الكازاخستاني البطل المحروم من حقوقه السياسية والاقتصادية ومن سيادته على ثرواته.