جيلاني الهمامي
بعد الاستفتاء المهزلة أصبحت المطالبة برحيل قيس سعيد استتباعا منطقيا وطبيعيا لما حصل يوم 25 جويلية 2022.
للتذكير فقط ثلاثة أرباع الناخبين لم يشاركوا في التصويت على الدستور منهم من قاطع بشكل واعي ومنهم من لم يشارك لأنه ملّ الحياة السياسية ومنهم من هو غير مكترث تماما بما يجري في تونس.
بعبارة أخرى ربع الناخبين شاركوا في التصويت أغلبيتهم صوتوا بنعم وجزء قليل منهم صوّت ضد الاستفتاء ما يعني أنّ أقلّ من ربع الناخبين صوتوا لفائدة نص الدستور الجديد.
وللتذكير أيضا إنّ الدستور الذي عرض للتصويت كتبه قيس سعيد بنفسه وتضمن إشكاليات كثيرة تصب كلها في إرساء نظام حكم ديكتاتوري تسلطي يقوم على الحكم الفردي لقيس سعيد.
وإلى جانب ذلك شهدت عملية التصويت تجاوزات وإخلالات كثيرة ومتنوعة تطعن في نزاهة العملية وشفافيتها وتشكك بالتالي في شرعية الدستور. هذا علاوة على عمليات التدليس التي صاحبت جميع أطوار الاستفتاء من الإعداد حتى الإعلان عن النتائج.
حتى بعد الإعلان عن النتائج واصل قيس سعيد غير عابئ بما يقتضيه القانون والعرف الانتخابي واحترام آجال الإعلان عن النتائج الرسمية والنهائية وبدأ يلوح بإصدار مراسيم جديدة تتعلق بالمحطات السياسية القادمة.
إنّ الاستفتاء الأخير وفر كل المبررات للمطالبة برحيل قيس سعيد الذي كشف وبشكل مفضوح عن نواياه في إقامة نظام معادي للحرية والديمقراطية علاوة على أنه يفتقد لأبسط رؤية لمعالجة الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها البلاد في المجال الاقتصادي والاجتماعي خاصة. لهذا السبب أصبح منذ يوم 25 جويلية من مصلحة البلاد أن يرحل قيس سعيد وأن يتنحى عن الحكم عسى أن تجد تونس طريقها إلى الخروج من الأزمة الشاملة التي تردت فيها في العشرية الأخيرة.
لقد بات واضحا أنّ قيس سعيد لا يمثل حلا. بل بالعكس كل المؤشرات تؤكد أنّ الأوضاع ستسوء في عهده أكثر من ذي قبل. فعلى خلاف الدعاية الجاري ترويجها تبدو الآفاق كلها منسدة في وجه قيس سعيد وحكومته. فالمحيط الإقليمي والدولي وأقصد القوى التي لها تأثير خاص على تونس كشفت وبكل وضوح عن استيائها لما هو بصدد القيام به. ما من شك في أنّ ما عبرت عنه الإدارة الأمريكية حيال التطورات التي عرفتها بلادنا في الأشهر الأخيرة لم يكن مطلقا من موقع الغيرة على حق التونسيات والتونسيين أو من منطلق مصلحة تونس بقدر ما كان ينم عن قلقها وانشغالها بمستقبل مصلحتها كقوة عظمى. وما من شك أيضا في أنّ تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي المناوئة لقيس سعيد ليست حبا في تونس وفي شعبها بقدر ما تنبع من تخوفاتهم من أن تكون سياسات سعيد سببا في الإضرار بمصلحة أوروبا. ملخص الأمر أنّ هذه القوى التي أصبحت تشك في قدرة سعيد على ضمان مصالحها قد كشفت ودون مواربة عن معارضتها لسياساته، ويبدو أنّ هذه المعارضة تحولت في الكواليس الديبلوماسية إلى قرارات عقابية الغاية منها تعقيد الوضع من حول قيس سعيد وحكومته. ومرة أخرى سيكون الشعب هو من يدفع فاتورة هذه المؤامرات. سيكون الثمن باهظا بلا شك وسينعكس ذلك في جميع أوجه حياة المواطنين، فقر وبطالة وتهميش وبؤس. كما سينعكس على جميع مجالات الحياة العامة، أزمة اقتصادية ومالية تنذر بالإفلاس وأزمة اجتماعية عميقة، واحتقان قد ينفجر في أي لحظة لأبسط الأسباب علاوة على الأزمة السياسية التي هي الآن بصدد تفكيك الدولة ونشر كل أسباب الانخرام الذي قد يتحول بين عشية وضحاها إلى حالة من الفوضى والفوضى هي مقدمة لانتشار العنف والحرب الأهلية.
كل هذه المخاطر ليست مجرد توقعات نظرية أو مبالغات ناجمة عن طفرة تشاؤم. إنها حقيقة مؤلمة تجتمع اليوم كل المؤشرات على جديتها كاحتمال وارد يتأكد كل يوم أكثر فأكثر.
من هذا المنطلق يكون وجود قيس سعيد واستمراره في موقعه على رأس الدولة أمر يتنافى تماما مع مصلحة البلاد والعباد ويتعين على الجميع الوعي بهذه الحقيقة. ومن هذا المنطلق إذن يصبح رفع شعار قيس سعيد “ديقاج” استحقاق سياسي ملح يترتب عنه البحث بجدية في ماهية البديل عن قيس سعيد لأنه ولكي تكون الأمور واضحة لا سبيل لعودة حركة النهضة اقترفت جرائم كبرى في حق الشعب التونسي وكبدت تونس خسائر لا تحصى ولا تعد.