يحيي شعبنا اليوم الذّكرى 13 لانتصاره على الدكتاتوريّة. لقد انفجرت ثورة الشّعب التّونسي يوم 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد ثمّ عمّت كافّة مناطق البلاد وشاركت فيها كل الطّبقات والفئات الشعبيّة. واستهدفت نظام الحكم مباشرة عبر شعار: “الشّعب يريد إسقاط النظام”، وعبّرت عن مضمونها عبر شعار: “شغل، حريّة، كرامة وطنيّة”. ولم ينجح بن علي في إخماد هذه الثّورة بالحديد والنّار. واستشهد العشرات وجرح أضعاف أضعافهم، واضطر الدكتاتور في النهاية إلى الفرار يوم 14 جانفي 2011.
لقد فتحت الثورة أفقا جديدا لا لتونس فحسب وإنّما لعدة بلدان أخرى في المنطقة والعالم. لكن بسبب ضعف القوى الثورية وغياب قيادة مركزية للنضال الشعبي قادرة على المسك بالسلطة مباشرة وتحقيق أهداف الثورة تمكنت المنظومة الطبقية السائدة من إعادة ترتيب أوضاعها وأجهضت الثورة بتواطؤ من القوى الرجعية الأخرى التي كانت في المعارضة وفي مقدمتها اليمين “الإخواني” وتحصرها في تغيير شكل الحكم دون المساس بطبيعة الدولة الرجعية التي هي في خدمة مصالح الأقليات الرجعية المحلية والدول والشركات والمؤسسات المالية الأجنبية الاستعمارية والنهّابة المهيمنة على المجتمع.
لقد أدّى كلّ ذلك إلى تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما فسح المجال لصعود الشعبوية إلى الحكم في انتخابات 2019 والانقلاب على شركائها في السلطة في 25 جويلية 2021 للانفراد بالسلطة والسعي إلى تصفية مكاسب الثورة وعلى رأسها مكسب الحريات وإغراق البلاد في مزيد التبعية والفقر والتجويع والقمع مستغلة نقمة فئات واسعة من الشعب على منظومة الحكم السابقة ومستعملة شعارات ديماغوجية للمغالطة والتمويه مثل مقاومة الفساد والاحتكار الخ… وهي كلّما تقدمت في السيطرة على مفاصل الحكم وتركيز نظامها السياسي الجديد القائم على الحكم الفردي المطلق، الاستبدادي والقمعي، إلا وتأكدت طبيعتها المعادية للثورة وسعيها المحموم إلى إلغاء مكاسبها وفي مقدّمتها حرّيّة التعبير والإعلام والتنظيم والاحتجاج.
لقد ألغت سلطة الانقلاب الاحتفال بذكرى 14 جانفي باعتبارها ذكرى الثورة التونسية التي أسقطت في هذا التاريخ الدكتاتورية، مدعية أن هذه الذكرى تمثل “تاريخ إجهاض الثورة”، وعوضتها بذكرى 17 ديسمبر 2010 تاريخ انطلاق الثورة في محاولة بائسة لخلق تنافر بين التاريخين، تاريخ الانطلاق وتاريخ إسقاط الدكتاتورية، وها إنّها هذه السّنة ألغت أيضا تاريخ 17 ديسمبر وتصرّفت كما لو أنه لا وجود له لأن هدفها الحقيقي غلق قوس الثورة نهائيا والعودة بالبلاد إلى مربّع الدكتاتورية والاستبداد الذي لا يخدم سوى مصالح غلاة البورجوازيين وخدمهم من كبار بيروقراطي الدولة المسيطرين على الأجهزة علاوة على مصالح القوى الأجنبية الاستعمارية والرجعية.
إن حزب العمال الذي يحيي ذكرى 14جانفي المجيدة التي تشكل لحظة فارقة في نضال شعبنا:
- يدعو جماهير شعبنا وقواه الثورية التمسك بتواريخ الثورة ومطالبها وشعاراتها التي تم الالتفاف عليها خلال الـ13 سنة الماضية من قبل منظومات الحكم المتعاقبة من 14 جانفي 2011 إلى حدّ اليوم وهي منظومات جمعت كل القوى الرجعية من سليلي النظام البائد، إلى حركة النهضة وأذنابها، إلى الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تمسك بالسلطة منذ انقلاب 25 جويلية 2021.
- يؤكد أن سلطة الانقلاب الحالية لا تختلف في طبيعتها الطبقية عن منظومة ما قبل 25 جويلية 2021 ومنظومة ما قبل 14 جانفي 2011. وهو ما تشهد به ميزانية هذا العام التي تغرق البلاد في المديونية وتفاقم البطالة والفقر وتلهب الأسعار علاوة على ندرة عديد المواد الضرورية وارتفاع الضرائب. كما لا تختلف عنها في السياسات الخارجية إلا في الخطب الرنانة التي كشفت حقيقتها القضية الفلسطينية (رفض سن قانون تجريم التطبيع، عدم دعم جنوب إفريقيا في الدعوى التي رفعتها ضد الكيان النازي أمام محكمة العدل الدولية…). إن ما يميز سلطة الانقلاب عن منظومة ما قبل 25 جويلية يتمثل في الانتقال بالبلاد من نظام سياسي بورجوازي ليبرالي إلى نظام سياسي قائم على حكم الفرد، يلغي الحريات ويقمع المعارضين ويطوّع المؤسسات ويحول التمثيلية منها إلى هياكل فارغة، منزوعة الصلاحيات، عبر مهازل انتخابية لم تشارك فيها غالبية المواطنين والمواطنات، ويمارس العسف وينشر الخوف لمواصلة فرض نفس الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية السابقة اللاوطنية واللاشعبية بأشكال أكثر قسوة لتحميل تبعاتها المدمّرة للطبقات والفئات الكادحة والمفقرة ومن بينها الشباب الذي لم يحقق له سعيد شيئا مما وعده به.
- يجدّد الدعوة إلى عموم الشعب التونسي وقواه التقدمية قصد التمسك بشعارات الثورة ومطالبها واستحقاقاتها التي يتم اليوم قبرها من قبل نظام قيس سعيد. إن الخيار الأسلم والطريق الأقصر أمام شعبنا هو استئناف حركة النضال من أجل ذات المطالب التي رفعها أثناء ثورة 17ديسمبر/14جانفي وبعدها، والعمل على تحقيقها بإنجاز طور جديد من هذه الثورة يتجاوز نقائص الطور السابق وأخطائه. فوَحْدَهُ النضال الواعي والمنظم يمكّن شعبنا من التخلص من سلطة الانقلاب الشعبوية دون العودة إلى ما قبل 25 جويلية 2021 و14 جانفي 2011 ويفتح له الطريق نحو إقامة سلطته التي يحقق في إطارها تطلعاته العادلة والمشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية. إن الخطوات الأولى تبدأ اليوم برص الصفوف من أجل الدفاع عن كل مربع من مربعات الحرية المنتزعة بالنضال والتضحيات والتي تسعى سلطة الانقلاب إلى إلغائها، والمطالبة بإطلاق سراح ضحايا القمع السياسي ووقف التتبّعات ضدهم ورفع كل التضييقات عن حرية التعبير والإعلام والتنظيم والاحتجاج دون أن ننسى النضال المستميت من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والدفاع عن سيادة الوطن وكرامته.
* المجد لثورة 17 ديسمبر / 14جانفي
* الخلود للشهداء
* النصر لنضال الشعب ومطالبه
* شغل، حرية، كرامة وطنية
حزب العمال
تونس، في 14 جانفي 2024