بقلم عمار عمروسية
أفلحت المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع “غزة” طوال 110 يوم، ليس فقط في تأمين صمودها الأسطوري أمام واحد من أعتى الجيوش بالعالم، والمدعوم على جميع الأصعدة وبكل الأشكال من كبريات الدول الإمبريالية الغربيّة (أمريكا، إنجلترا، ألمانيا، فرنسا…)، وإنّما وضع نفسها (المقاومة) على طريق تحقيق انتصارٍ كبيرٍ من شأنه أن يفتح الطريق واسعا مستقبلا أمام جولة أو جولاتٍ جديدة من خوض معركة، أو معارك، تحقيق الانتصار الحاسم المتمثل في تقويض دولة الاحتلال الاستيطاني وبناء الدولة الفلسطينية المستقلّة على أرض فلسطين التاريخيّة.
إنّ كلّ الوقائع الميدانية التي رافقت أطول عدوانٍ وحشيٍّ في تاريخ اعتداءات جيش الاحتلال على الفلسطينيّين والعرب عموما، تؤكدّ دون لُبس تعدّد إخفاقات دولة الاحتلال العنصري وسيرها الحثيث نحو الغرق في مستنقع “غزّة”.
فالجيش الذي تمّ تصويره على الدوام بأنّه الأقوى والذي لا يقهر، تمّ منذ 7 أكتوبر كسر شوكته، وراكمت هذه الأشهر عيّنات ومشاتل من مكامن ضعفه ووهنه أمام بأس المقاومة وجرأتها في تنظيم فعاليات المقاومة بما يضمن أشدّ الخسائر الماديه والبشرية في صفوف العدوّ.
هذا الأخير، رغم رجحان موازين القوى العسكرية بشكل كبير لفائدته، لم يقدر حتّى يومنا هذا الوصول إلى تحقيق ولو القليل من أهدافه المعلنة؛ فلا المقاومة انكسرت وفقدت قدراتها القتالية ولا تحرير ولو أسير واحد من الصهاينة تحقّق، بالإضافة إلى سقوط أحلام التهجير.
فالإنجاز الوحيد لحكومة “نتانياهو” وآلته الحربية لم يتجاوز حدود التدمير للمنازل والبُنى التحتيّة والإيغال في التقتيل الذي وصل 100 ألف بين شهداء ومفقودين وجرحى.
فمنجز “الجيش الأقوى” ليس سوى هزيمة سياسية وإعلامية وقانونية / أخلاقية – قيميّة مثلّت في جميع جوانبها مصادر عُزلة شعبيّة في العالم بأسره.
ونجاح آلة البطش بالمدنيّين، وعلى الأخصّ النّسوة والأطفال، أضحت من الزاوية العسكرية الصِّرفة وصمة عار لجيش يُدير عدوانه وفق أحطّ العقائد العسكرية المرتكزة على فظاعة القتل والهروب من القتال.
فأيّام العدوان الطويلة، كما لم يحدث من قبل، كانت في مجملها حصيلة إخفاقات متلاحقة جمعت بين الفشل الأمني والاستخباراتي ومرّت إلى ما هو إعلامي وسياسي وانتهت إلى الجانب العسكري الذي نجد ترجمته الملموسة في ثقل الكلفة الماديّة البشرية. وهذا أمر غير مسبوق.
فمجريات المعارك الميدانية تؤكّد التفوّق الكبير للمقاومة، وهو تفوّق متأتّي بالأساس من الروح المعنويّة للمقاتلين ومن المعرفة الجيّدة للأرض وتضاريسها ومن حسن التوظيف لسلاح الأنفاق الاستراتبجي.
فالمقاومة مثلما أسلف تؤمّن انتصارها كلّ يوم. ولعلّ نجاحها ليلة 23 من الشهر الجاري في تكبيد العدوّ أكبر خسائره تمثلّت وفق الجرد الأخير في سقوط 24 ضابطا وجنديا زيادة عن عشرات الجرحى.
فالعملية البطولية التي سقط ضحيتها 23 من الجنود ذاك اليوم تمّت في الشمال على بعد 600 متر عن الجدار العازل وضمن المنطقة التّي زعم الاحتلال منذ الأيام الأولى للإجتياح البرّي تأمين سيطرته عليها و”تطهيرها” من المقاومين.
فيد المقاومة هي الأعلى في كل القطاع والسيطرة الميدانية لرجالها من الشمال إلى الجنوب.
إن هذه القناعة أضحت حتّى لدى طيف واسع من صنّاع القرار بالدولة الصهيونية أمرا شائعا. فكثيرون منذ مدّة يجاهرون بتلك الحقيقة، ذلك أن أحد الإعلاميين البارزين قال حرفيّا منذ أكثر من شهر على القناة التلفزية 12 العبرية: “نحن في حفرة عميقة وعلينا المسارعة بالخروج من هذا القاع”.
أكثر من ذلك فإنّ ألمع الكُتّاب الصهيونيين ونقصد “يوءاف ليموز” سبق أنّ أعلن: “إسرائيل تجثو على ركبتيها في واحدة من أصعب الأوقات في تاريخها”.
إنّ نجاح المقاومة في الصمود إنتصار تعزّزه أعمال بطوليّة كلّ ساعة وكل يوم، والقادم وفق كلّ المؤشرات مزيد تضيّيق الخناق على جيش العدوّ وإجبار حكومته على قبول شروط المقاومة المتمثّلة في الوقف التّام للعدوان وانسحاب الجيش من كلّ القطاع والقبول بتبادل الأسرى وفق مبدإ الكلّ مقابل الكلّ ورفع الحصار، بما يسهم في إعادة الإعمار.