أبو غسان، لا شيء يستطيع أن يكسر إرادته الفولاذية وهو مؤمن بحتمية النّصر وانتصار المقاومة
تحية رفاقية وبعد،
لقد شكّل تاريخ السابع من أكتوبر بالتزامن مع بدء العدوان الشامل والإبادة الجماعية بحقّ شعبنا، محطّة جديدة فرضت تحوّلات جذرية على واقع الأسيرات والأسرى داخل سجون الاحتلال الصهيوني على كافة الأصعدة، والتي تعدّ الأصعب في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية.
وعلى مدار ستة أشهر متواصلة يواجه أسيراتنا وأسْرانا ظروفاً قاهرة ولا إنسانية، تُمارَس بحقّهم جرائم متنوّعة، حيث حملات الاعتقالات الكبيرة المستمرّة حتى الآن والتي طالت كافة شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني من كبار السّن ونساء وأطفال وصحفيّين ومحاميين وطلبة جامعات، فقد بلغ العدد الإجمالي للأسيرات والأسرى حتى كتابة هذا المقال قرابة العشرة آلاف منهم ثمانين امرأة وأكثر من مائتي طفل/ة، وقرابة الخمسة آلاف معتقل/ة إدارياً على خلفية ملف سرّي.
إضافة إلى أنه منذ السابع من أكتوبر ألغت مصلحة سجون الاحتلال زيارات العائلات لأقاربهم داخل السّجون ومنعت الصليب الأحمر الدولي من زيارة السجون ووضعت قيوداً وعراقيل أمام زيارات المحامين والمحاميات حتى قامت بعزل الأسيرات والأسرى بشكل كامل عن العالم الخارجي، وهذا جعلهم يمارسون أبشع الجرائم على أجساد الأسيرات والأسرى حيث الضّرب والتنكيل والتعذيب أثناء التّفتيشات والاقتحامات لغرف الأسيرات والأسرى أو أثناء الاعتقال، إضافة إلى سياسة التجويع حيث يقدّم كميات رديئة من الطعام كمًّا ونوعًا، وسياسة الإهمال الطبي وعدم تقديم العلاج اللازم للحالات المرضية أو للجرحى الذين يتم الاعتداء عليهم بالضرب. هذا عدا عن الأسيرات والأسرى من قطاع غزّة المعزولين كليًّا عن باقي الأسرى الذين ومن خلال بعض شهادات من تمّ الإفراج عنهم تحدثوا عن جرائم وحشية حصلت بحقهم سواء بالتعذيب الجسدي والنفسي، وتقييد الأرجل والأيدي لفترات طويلة جدًّا، وتعرية أجسادهم رجالاً ونساءً، واحتجازهم في معسكرات تابعة للجيش غير معروفة وغير معلن عنها.
هذا عدا عن أنه منذ بدء العدوان سقط ستّة عشر شهيداً داخل سجون الاحتلال، جزء منهم ارتقى نتيجة الاعتداء الجسدي المباشر من قبل السجّانين والوحدات الخاصة، وجزء ارتقى نتيجة الإهمال الطبّي المتعمّد كما حدث مع رفيقنا الأسير القائد وليد دقة الشاهد والشهيد على ملفّ الإجرام والإهمال الطبي الذي مورس بحقّه كونه كان قد أصابه السرطان آخر فترة سجنه بعد أن قضّى أكثر من ثمانية وثلاثين عام متتاليات، وليد الذي عرفته الحركة الأسيرة جميعها وقرأت فكره وفلسفته حول مفهوم السّجن استشهد مؤخرا في السابع من شهر نيسان الحالي وهو يحلم باحتضان إبنته ميلاد التي هُرِّبت نطفة من داخل السجون، ومن احتضان زوجته سناء التي حقّقت له حلم الأبوّة ولكن لم يتمكنوا ثلاثتهم من عناقٍ خارج أسوار السجن. فالحركة الأسيرة اليوم تواجه منظومة متكاملة من القمع والعنف، فكلّ ما تمّ تحقيقهُ من منجزات عبر نضالات تراكميّة طويلة منذ بدء تشكّل الحركة الأسيرة من إضرابات مفتوحة عن الطعام ومواجهات قد سُحِبت وتمّ إلغاؤها، واليوم يعيش الأسير/ة على أدنى الحقوق.
وأحمد سعدات “أبو غسان” كجزء أصيل من هذه الحركة يعيش اليوم ظروفها الصعبة، فمنذ بداية العدوان لم نزره أو نتواصل معه سوى عبر زيارات قليلة جدّا استطاع بعض المحاميين القيام بها وطمأنتنا عليه وعلى صحته وأحواله والأهمّ أنه كما هو دائما عالي الجبين والمعنويات ولا شيء يستطيع أن يكسر إرادته الفولاذية ومؤمن بحتميّة النصر وانتصار المقاومة.
ولكن نحن عائلة، كما باقي عائلات الأسيرات والأسرى، نعيش بقلق كبير وخوف على أحباؤنا داخل المعتقلات والسجون، فمع هذا الانقطاع بالتّواصل الإنساني يبقى الإنسان في حالة خوف وتوتّر تفرض نفسها على النفس، وطبعا كل العائلات اليوم تترقّب وتتابع أخبار الصّفقة بشكل يوميٍّ، سواء على الأخبار أو الحديث فيما بينهم عن إمكانية قيام المقاومة بعقد صفقة يتمّ فيها تبيض سجون الاحتلال والانتهاء من هذا الكابوس الذي يخيّم على العائلات جميعها.
الحرية لأسيرات وأسرى الحرية
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والشفاء العاجل للجرحى