الرئيسية / صوت الوطن / أزمة المياه في تونس: الحل في تغيير المقاربة
أزمة المياه في تونس: الحل في تغيير المقاربة

أزمة المياه في تونس: الحل في تغيير المقاربة

بقلم حسين الرحيلي

كل المؤشرات تؤكد أن مخزونات السدود على المستوى الوطني، ونحن نودع موسم الأمطار، لا تتجاوز 31 بالمائة أي حوالي 700 مليون م3، وهي كمية لا تستطيع مواجهة موسم الذروة في الطلب على الماء الصالح للشرب. هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار تطور المؤشرات السياحية لهذا الصيف، مما يجعل من الطلبات المتزايدة على المياه من طرف النزل من شبكة المياه العمومية تتزايد. وهو ما سيطرح سؤال محوري تم طرحه العام الفارط وهو: هل سيقع تبجيل السواح وبالتالي النزل بالنسبة لمياه الشرب والمواصلة في التطبيق الصارم لنظام القطع الدوري على السكان مثلما حصل في العام الفارط؟ كما أن الكميات المصرح بها بالسدود ستكون محددة في توسيع المدة الزمنية لانقطاعات الماء خلال هذا الصيف لتكون أكثر من العام الفارط والتي كانت من التاسعة مساء إلى الخامسة صباحا كل يوم.
لكن ورغم محدودية هذه الإجراءات وظرفيتها، فإن السلطة لم تقدم للرأي العام تصورا متكاملا حول الأزمة الهيكلية للموارد المائية على المستوى الوطني وبقيت التصريحات الرسمية سجينة الدعاء بنزول الغيث النافع لتحسين مخزونات السدود أو التعويل على تفهم المواطنين من خلال الانخراط الطوعي في ترشيد استهلاك الماء. مع العلم أن نسبة مياه الشرب لا تتجاوز 13 بالمائة من الكمية المائية المستعملة في كل المجلات على المستوى الوطني. إذ تنفرد الفلاحة بحوالي 80 بالمائة من الموارد المائية.
كما تعمق الوضع المائي خلال الفترة الأخيرة وخاصة بالسدود من خلال تبخر حوالي 600 ألف م3 من السدود في يوم واحد بسبب ارتفاع درجات الحرارة غير العادي خلال الأيام الفارطة والتي ستكون أكثر ارتفاعا في الفترة المقبلة. مما يعني أن مخزونات السدود ستتراجع بشكل حاد بسبب ارتفاع الطلب خلال الصيف وكذلك بسبب التبخر. وهو ما يجعلنا نتساءل عن السياسة العمومية المتعلقة بتعبئة الموارد المائية والمبنية على مواصلة بناء سدود جديدة رغم أنها لم تعد طرقا مناسبة مع التحولات المناخية والارتفاع المتواصل والدائم للحرارة. إذ أن بناء السدود وبالطرق التقليدية والكلاسيكية لن يكون إلا تجميعا للماء للتبخر، ونكون بذلك قد خسرنا على مستويين: الموارد التي تتبخر من ناحية، وكلفة إنجاز السدود التي أصبحت أكثر ارتفاعا أمام ارتفاع أسعار مواد البناء من ناحية أخرى.
ولكن ندرة الموارد المائية وشحها بسبب تراجع التساقطات وتواصل مواسم الجفاف لسنوات، يمكن أن يفسر اللجوء إلى نظام القطع الدوري الذي تم إقراره منذ مارس 2023 بالنسبة للولايات الـ14 المعنية بمياه الشرب من السدود. أما انقطاعات الماء المتكررة والتي أصبحت متواصلة بالنسبة للمناطق والمدن غير المعنية بمخزونات السدود فهي مرتبطة بتراجع الاستثمارات العمومية في مجال مياه الشرب، ومواصلة استغلال شبكة مياه متقادمة وتجاوزت عمرها الافتراضي. إذ أن معدل عمر الشبكة العمومية لمياه الشرب في عدة مناطق من البلاد يتجاوز 30 عاما. وهو ما يتسبب في أعطابها وهدر كميات كبيرة من مياه الشرب. وهو ما تؤكده التقارير الرسمية لمؤسسات السلطة المعنية بمياه الشرب بأن نسبة ضياع مياه الشرب بالشبكة العمومية تتجاوز22 بالمائة على المستوى الوطني وتصل في بعض الجهات إلى 50 بالمائة.
لذلك وبناء على المعطيات السالفة الذكر يمكن القول إننا نعيش أزمة هيكلية في مجال الموارد المائية بشكل عام ومياه الشرب بشكل خاص، وهو ما يعني أن الحلول الظرفية والترقيعية والتعويل على تحسن المعطيات المناخية لصالح التساقطات لا يمكن إلا أن يسكّن من أوجاع هذه الأزمة ولكن ليس حلا جذريا لها.
وبالتالي فإن المقاربة التقليدية لمشاكل جديدة ومتجددة من ناحية، وهيكلية من ناحية أخرى لا تستقيم، إذ وجب تغيير المقاربة ونظام التفكير في الحلول التي نرى أن تكون وفق التمشي العام التالي:

  1. التخلي عن سياسة الحلول الظرفية والترقيعية لمعالجة الوضع المائي في تونس،
  2. العمل على رسم سياسات عمومية جديدة في إطار حوار تشاركي بين جميع الفاعلين (من هياكل عمومية ومنظمات مهنية وطنية ومجتمع مدني وأحزاب سياسية) تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الشعب الأساسية من ناحية والتحولات المناخية من ناحية أخرى،
  3. الإسراع بفتح حوار جدي ومفتوح مع كل أطياف المجتمع لإعداد مجلة مياه جديدة قادرة على تلبية الحاجيات المائية للتونسيات والتونسيين حاضرا ومستقبلا،
  4. إعادة النظر في خارطة الإنتاج الفلاحي مع إعطاء الأولوية للإنتاج المتأقلم مع التحولات المناخية وندرة المياه، والقادر على تحقيق السيادة الغذائية على المدى المتوسط والبعيد،
  5. وضع خطة عمل وبرامج متابعة ومساندة للفلاحين الصغار خاصة لجعلهم قادرين على التكيف الاستباقي مع التحولات المناخية على مستوى الإنتاج واستعمال مياه للري،
  6. تعبئة الموارد المالية اللازمة للاستثمار في مجال الماء من بنى تحتية وتجديد قنوات وغيرها من التجهيزات القادرة على التقليص من ضياع المياه وضمان استدامة التزويد،
  7. وضع سياسة عمومية تحفيزية لتجميع مياه الأمطار بالمناطق العمرانية مع التخلي عن الإجراءات والشروط البيروقراطية التي تم اتباعها أخيرا في هذا المجال،
  8. وضع برامج مستقبلية لبناء ثقافة مواطنية للماء لدى كل أفراد الشعب.
إلى الأعلى
×