الرئيسية / صوت الوطن / الانتخابات هي مناسبة للمحاسبة على المنجز
الانتخابات هي مناسبة للمحاسبة على المنجز

الانتخابات هي مناسبة للمحاسبة على المنجز

بقلم حمادي المثلوثي

أعلنت هيئة الانتخابات يوم 14 جويلية 2024 عن انطلاق الفترة الانتخابية الرّئاسيّة وتواصلها إلى غاية الإعلان عن النّتائج النّهائيّة لانتخابات سوف تقع يوم 6 أكتوبر. انتخابات قُدّ فيها كل شيء علي مقاس “الزعيم /الرئيس” الذي انفرد بالحكم بداية من 25 جويلية 2021 عندما أقدم على تفعيل الفصل 80 من دستور2014 ليعلن عن جملة من التدابير الاستثنائيّة دعمها بالأمر الرئاسي عدد117 لسنة 2021 الذي مكّنه من الانفراد بالسلطة التشريعيّة واحتكار السلطة الترتيبيّة العامة ليتحوّل بذلك النظام من نظام برلماني معدّل إلى نظام رئاسي مطلق/سلطوي استبدادي اعتمد خطابا شٌعبويا قائما على مبدأ مخاطبة الجماهير مباشرة بدلا من محاورة نظرائهم السياسيين، وهي الفكرة الجوهرية التي بنى عليها قيس سعيّد برنامجه خلال الثلاث سنوات الأخيرة من ولايته والقائمة على تهميش وشيطنة وتجريم الأجسام الوسيطة بحجّة أنّه لا يرغب في التواصل المباشر إلاّ مع الشعب. لذلك فمن الإنصاف أن يتحمّل الذي اتّخذ قرار الانفراد بالحكم حصيلة المنجز كلّ المنجز الذي قدّمه للشعب ومن هذه الزّاوية يصبح “المنافس الوحيد لقيس سعيّد إذا هو الحصيلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسنوات حكمه”، كما قال الرفيق الحبيب الزموري في مقال بصوت الشعب عدد37. فكيف كانت هذه الحصيلة؟

في باب السّياسية والتشريع

توجّه سعيّد إلى الشعب أربع مرات، فاستشاره في استشارة وطنيّة تواصلت شهرين وخمسة أيام لم يشارك فيها سوى 4.4% من إجمالي التّونسيّين والتونسيّات ولم يكن وفيًّا لمخرجاتها، حيث قام بتغيير الدّستور رغم أن 36.8% فقط طالبوا بذلك في حين 38% طالبوا بتعديل دستور 2014. ثم نظّم استفتاء على دستور قال العميد الصّادق بلعيد الذي كُلِّف برئاسة “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” أنه “لا يمتّ بأيّ صلة للدّستور الذي صاغته اللّجنة”. شارك في هذا الاستفتاء 30.5% فقط من النّاخبين رغم طول مدة زمن الاقتراع الذي تواصل من السّادسة صباحا إلى العاشرة ليلا (16 ساعة بالتمام والكمال)، ثم نظّم انتخابات تشريعيّة لم يشارك فيها إلاّ 11.4% من مجموع الناخبين ولم تكن نسبة المشاركة في الانتخابات المحليّة أفضل من سابقاتها حيث لم يشارك سوى 11.84% في الدور الأول و12.4% من مجموع الجسم الانتخابي في الدور الثاني. أفرزت هذه الانتخابات في نهاية المطاف مؤسّسات صورية بنسب تفويض ضعيفة تدلّ على عدم انخراط الشعب في مشروع الرئيس، ورغم ذلك تمّ المضيّ قُدما في إرساء أسس نظام البناء القاعدي كما كان مقرّرا منذ 2012.

في باب الحقوق والحريّات

يجمع أغلب التونسيين والتونسيّات على أن حريّة التعبير من أهم مكاسب الثورة، إلاّ أنّها باتت على حافة الاضمحلال خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من حكم سعيّد خاصة بعد صدور المرسوم السّيء الذكر عدد 54 لسنة 2022 حيث يعدّ فصله الرّابع والعشرون (24) سيفا مسلّطا على رِقاب كل صوت معارض. والذي مكّن من عديد الملاحقات القضائية لسياسيين وصحافيين ومواطنين عاديّين حيث سجّلت “أنا يقظ” في تقريرها “سعيد ميتر” 25 معتقل سياسي و33 آخرين من أجل آرائهم. عمليا تبدو نيّة “مسار العلو الشاهق” غلق قوس مكسب الحريّات والعودة إلى تكميم الأفواه وتعميم نزعة الخوف في صفوف المواطنين حتى يتسرّب رقيب ذاتي إلى العقول وتنفّذ “سلطة المسار” ما تريد بدون حسيب ولا رقيب.

في باب الاقتصاد

إضافة إلى التّراجع عن الديمقراطية تواجه تونس أزمة اقتصادية طاحنة يمكن الوقوف عليها من خلال المؤشرات التالية: انخفاض معدّل النمو إلى 0.2 % سنة 2024 وارتفاع حجم الدين العام بـ80% من قيمة النّاتج الدّاخلي الخام وتواصل ارتفاع نسبة التضخّم بـ7.4% وارتفاع نسبة الفائدة المديريّة إلى 8% وتواصل تراجع سعر صرف الدينار مقابل الأوروبي والدولار تواصل عجز الميزان التّجاري…
كلّ هذه المؤشرات أثّرت بشكل سلبي على النّمو الاقتصادي فتقلّص الاستهلاك وزاد التّضييق على توريد المواد الأساسيّة وتراجعت نوايا الاستثمار وهو ما ترجم في الحياة اليوميّة بمشهد “الصفوف الدّائمة والرّفوف الخاوية” التي فسّرها “بُناة المشروع” التآمر واللّهفة حينا، والإنكار والتجاهل أحيانا أخرى.

في باب الحياة الاجتماعيّة

تروّج الشعبوية بأنها دولة اجتماعية. للحكم على هذا الخطاب بشكل موضوعي نعود إلى المنجز في الواقع الملموس لحياة المواطنين والمواطنات، فنسجّل تطور لنسبة البطالة من 15.2% سنة 2021 إلى 16.2 % سنة 2024 وتدهور مفزع للمقدرة الشّرائية نتيجة للارتفاع المتواصل للأسعار، ارتفعت في أفريل 2024 أسعار المواد الغذائيّة الأساسيّة بـ9.2% والمواد المصنّعة بنسبة 7.1% وخدمات الصّحّة بـ9.3%. أمّا نسبة الفقر فقد ظلّت تراوح مكانها بنسبة مرتفعة تقدّر بـ16.6%.
لقد أصبحت الخدمات العموميّة في “العهد السّعيد” أضعف من أيّ وقت مضى نتيجة للسّياسة التقشّفيّة التي انتهجتها الدّولة، وهو ما أدّى إلى تهالك المرافق العمومية خصوصا في مجال التعليم والصّحة والنّقل. وهذه المرافق بالتحديد هي أولوّية الأولويّات بالنّسبة للدّولة الاجتماعيّة.
إذن لقد بيّنا بالتحليل الملموس للواقع الملموس مدى ضعف تمثيليّة المشروع السّياسي الشعبوي وذلك من خلال الوقوف على ضعف نسب المشاركة في كل المناسبات الانتخابيّة، وخطورة الإجراءات المتّخذة ضد الحقوق والحريّات وحجم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه البلاد. بهذا المنجز، بهذه الحصلة السلبية بكل أبعادها، سيواجه قيس سعيد، الذي انفرد بالسلطة منذ ثلاث سنوات، نفسه يوم 6 أكتوبر 2024.

إلى الأعلى
×