الرئيسية / صوت الوطن / سعيد يستغل أجهزة الدولة ومواردها لفائدته ولصالح حملته الانتخابية المبكّرة
سعيد يستغل أجهزة الدولة ومواردها لفائدته ولصالح حملته الانتخابية المبكّرة

سعيد يستغل أجهزة الدولة ومواردها لفائدته ولصالح حملته الانتخابية المبكّرة

بقلم علي البعزاوي

أوّل الغَيْثِ قَطْرٌ

أعلن الرئيس قيس سعيد ترشحه للانتخابات الرئاسية من برج الخضراء الكائن في أقصى الجنوب التونسي وعلى مسافة تفوق التسعمائة كلم من العاصمة مقر إقامته الدائمة. هذا الإعلان كلف الدولة التونسية آلاف الدينارات إذا حسبنا تكاليف التنقل والوفد المرافق ولإخراج التلفزي والوقت المهدور وكل المصاريف المترتبة عن ذلك.
الرئيس لم يكن في مهمّة رسمية أو زيارة عمل بل تنقل وأنفق الأموال الطائلة فقط ليعلن ترشحه، بينما يكتفي منافسوه بالإعلان عن ترشحهم عبر شبكة التواصل الاجتماعي. إنه خلط غير مبرر بين قيس سعيد الرئيس وقيس سعيد المترشح. وهي مسألة تطرح مشروعية تحمل الدولة لتكاليف الحملات الانتخابية ومسألة “الجبدان من الخابية” مثلما يقول المثل الشعبي. وهي ظاهرة تفشت في تونس منذ 1956 إلى اليوم مثلها مثل عديد الدول المتخلفة.

حملة انتخابية مبكّرة

الواضح أن رئيس الدولة بدأ حملته الانتخابية بصورة مبكرة جدا حيث جاب الشوارع وزار المؤسسات (الإذاعة والتلفزة-وزارة الداخلية-وزارة التجارة.الخ…) والجهات بما في ذلك النائية منها ومحطات النقل البري والحديدي، والمستودعات، والمصانع … ولم يكن أيضا في زيارات عمل واضحة ومبرمجة مسبقا ولم ترافقه فرق وزارية أو أصحاب الشأن لاتخاذ قرارات واضحة وملموسة لمعالجة الإشكالات وتطوير البنية التحتية ومنظومات العمل أو لإعطاء دفع تنموي بهذه الجهة أو تلك، أو الاستجابة لمطالب المتضررين على اختلافهم.لأن المعمول به في زيارات العمل هو ختمها بجلسات عمل ومناقشة القضايا المطروحة واتخاذ القرارات والإعلان عنها للرأي العام حتى تقع متابعتها ومحاسبة الإخلالات إن حصل تعطيل أو تباطؤ في التنفيذ الخ… وفي غياب كل هذه الإجراءات يعتبر كل المتابعين وعموم الرأي العام أن الرئيس بصدد القيام بحملة انتخابية مبكرة لفائدته الشخصية كمترشح وعلى حساب المجموعة الوطنية لأنه لم ترد إفادات تؤكد سحب الرئيس لأموال من حسابه الخاص لتغطية المصاريف ومجمل التكاليف المنجرّة عن هذه الزيارات. وما يؤكد أيضا خلفية هذه الزيارات وارتباطها بالحملة الانتخابية المبكرة هو أنها انطلقت منذ حوالي السنة فقط ولم يسبق للرئيس أن قام بزيارات عمل بهذه الكثافة منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية، إضافة إلى مضامين الخطابات التي كان يطلقها (تصريح من المنستير بانه لن يترك المسؤولية من بعده لمن لا وطنية لهم – الإطناب في اتهام المعارضين بالتآمر والتعاون مع الخارج – التأكيد في زيارة لأحد السدود التونسية بأن انقطاع الماء عن المواطنين هو بفعل فاعل وقس على ذلك فيما يتعلق بانقطاع الكهرباء وشح المواد الحياتية والأدوية وغيرها. إضافة إلى الوعود التي بقيت جلها حبرا على ورق: وعود بتسوية أوضاع العاملين في شركة السكر بباجة ومعمل السكر ببنزرت بقيت إلى اليوم دون استجابة، مما دفع العمال في المؤسستين إلى مواصلة نضالاتهم لتحقيق مطالبهم).والمتتبع لخطابات الرئيس في مختلف زياراته يفهم ضمنيا أن الصعوبات والإخلالات المختلفة تعود إلى التقصير وعدم تحمل المسؤولية والتآمر وان الرئيس هو الوحيد الحريص على معالجة الإخلالات وتصحيح الأوضاع دون سواه. والحل هو في إعادة انتخابه وتجديد الثقة فيه لمواصلة “حرب التحرير الوطنية “التي شرع فيها ولن يكتب النجاح لتونس ولشعبها إلا بفوزه بهذه الانتخابات.
كل هذه التحركات/الزيارات/اللقاءات/الجولات التي نعتقد أنها جزء لا يتجزأ من حملة انتخابية سابقة لأوانها كانت على حساب دافعي الضرائب.

شكل من أشكال الفساد

إن مختلف مؤسسات الدولة ومسؤوليها وفي مقدمتهم رئاسة الجمهورية التي تحوز كل السلطات، وفي مثل ظروف البلاد الحالية المتسمة باستفحال الأزمة الاقتصادية والمالية وتداعياتها المختلفة على المستوى الاجتماعي، مطالبة بالتقشف ومزيد الضغط على المصاريف بل واتخاذ مبادرات لإرجاع الثقة في المسؤول من قبيل التخفيض في مرتبات المسؤولين وإلغاء أصول البنزين ومنع استعمال سيارات الدولة من طرف عائلات المسؤولين الخ… فالشعب التونسي ومن خلال الميزانيات المتتالية تمارس عليه سياسات التقشف من خلال الضغط على الأجور وتراجع الخدمات الاجتماعية التي وصلت إلى مستوى التدهور وارتفاع الأسعار جراء رفع الدعم… فلماذا يُستثنى المسؤولون من تحمل أعباء الأزمة التي يتحملها الشعب دون سواه رغم أنه ليس مسؤولا عن الخيارات العامة وميزانيات التقشف والتجويع.
إن مثل هذا السلوك التبذيري وهذا السخاء في الإنفاق وغياب الضوابط القانونية هو في جوهره شكل من أشكال الفساد الرسمي الذي ينبغي وضع حد له وتجريمه بقوانين نافذة إذا لزم الأمر.فليس من المعقول ولا المقبول أن يقع الضغط على المواطن ويحرم من عديد الخدمات (تقسيط كميات الماء والكهرباء – عدم التعويض عن تدهور القدرة الشرائية جراء سياسات رفع الدعم وتحرير الأسعار- تراجع الخدمات الصحية والتربوية والبلدية …)، وتفرض عليه ( المواطن )أعباء إضافية هو غير قادر عليها بحكم محدودية الأجر الذي يتقاضاه أو المداخيل التي يحصل عليها. وفي المقابل يسمح للمسؤول بالإنفاق والتصرف بلا حسيب ولا رقيب.
إن الدولة الديمقراطية الاجتماعية الحقيقية بقدر حرصها على الشفافية والحوكمة الرشيدة التي لا تتحقق بدون محاسبة ومراقبة تقوم بها مؤسسات مستقلة منتخبة تتمتع بصلاحيات المحاسبة واتخاذ القرارات المناسبة، فهي حريصة أيضا على التصدي لكل أشكال الفساد الرسمي الذي لا ينحصر في التحيّل والسرقة واستغلال النفوذ بل يتجاوز ذلك إلى الإفراط في استعمال موارد الدولة وتوظيفها سواء في الحملات الانتخابية أو في مسارات أخرى لا علاقة لها بمتطلبات العمل اليومي للمسؤولين في الدولة.

إلى الأعلى
×