بقلم مهى عمروسية
شهدت بريطانيا في الأسبوعين الماضيين موجة عنف غير مسبوقة استهدفت المسلمين والمهاجرين وملوني البشرة مما دفع دول مثل نيجيريا وأستراليا وإندونيسيا إلى تحذير مواطنيها من مخاطر السفر إلى المملكة المتحدة.
انطلقت هذه الحملة بعد مقتل ثلاثة فتيات في مدينة ساوث بورت الساحلية في حادثة هاجم فيها مراهق حفلة للأطفال. استغلت مجموعات اليمين العنصري الحادثة وروّجت معلومات مغلوطة تدعي أن المعتدي طالب لجوء مسلم.
انطلقت الهجمات العنصرية بهجوم حشد غاضب على جامع مدينة ساوث بورت وسرعان ما توسعت دائرة العنف إلى مدن أخرى و تحولت إلى أعمال شغب ونهب استهدفت المساجد والمحلات التجارية وعمليات تخريب مبان عامة من بينها مكتبات، ومهاجمة نزل لطالبي اللجوء والشروع في إحراقه فيما النزلاء داخله.
تعتبر هذه الحملة العنصرية الأكبر التي عرفتها بريطانيا في العقود الأخيرة حيث شملت 17 مدينة وبلدة بريطانية، بالإضافة إلى بلفاست في إيرلندا الشمالية ولعلّ الأخطر في هذه الأحداث أنها لم تقتصر على الجماعات اليمينية المتطرفة المنظمة، حتى ولو كانت حاضرة ومهيمنة تمامًا على المستوى السياسي، لكن غالبية المشاركين هم من العنصريين غير المنظمين وتداولت مواقع التواصل صور مشاركة أطفال في سن العاشرة في الأحداث.
أمام موجة العنف، اضطرت العديد من المساجد والمتاجر إلى إغلاق أبوابها كما أجبر العديد من محاميي طالبي اللجوء ومجموعات دعم المهاجرين إلى وقف أنشطتهم بسبب التهديدات.
ولقد تداولت الصحف البريطانية والعالمية شهادات أعرب فيها أشخاص من أصول مسلمة ومن سود البشرة عن قلقهم المتزايد على سلامتهم.
ومن الواضح أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا في الأحداث. فبعد ساعات قليلة من جريمة القتل، نشر مستخدمو موقع “اكس” معلومات وتفاصيل دقيقة حول هوية متهم خيالي: طالب لجوء مسلم وصل إلى المملكة المتحدة على متن قارب العام الماضي، مدرج على قائمة مراقبة MI6 (جهاز المخابرات الخارجية). وبعد ذلك تمّ تداول هذه المعلومات الكاذبة آلاف المرات وخاصة من أصحاب الحسابات الكبيرة ومجموعات اليمين المتطرف. وأمام تكاثر الإشاعات وخطورة الوضع، اضطرت الشرطة البريطانية إلى الإفصاح على هوية المتهم رغم تعارض ذلك مع القانون لأنه قاصر. وأكدت أن المتهم بريطاني الجنسية والمولد، وليس طالب لجوء وأنه ينتمي إلى أسرة مسيحية غير أن أعمال الشغب استمرت وتصاعدت الاتهامات للسلطات بتزييف هوية المتهم بغية إخفاء الحقيقة.
لعب صاحب منصة “اكس” إيلون ماسك دورا تحريضيا في هذه الأحداث حيث علق “الحرب الأهلية أمر لا مفر منها” مما أثار استياء الحكومة البريطانية التي ردت عبر وزيرة الدولة لشؤون العدل هايدي ألكسندر معتبرة تصريحات الملياردير بـ”غير المبررة وغير المسؤولة”. هذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها صاحب منصة اكس في الأحداث السياسية إذ يستعمل دائما منصته، التي اشتراها في عام 2022، للترويج لنظريات المؤامرة وخطاب الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين. وقد دافع ماسك منذ اقتنائه “اكس” عن رؤية متطرفة لحرية التعبير، واصفاً موقعه بأنه ساحة عامة عالمية حيث يمكن لمستخدمي الإنترنت أن يقولوا أيّ شيء، الأمر الذي مكّن قادة الجماعات اليمينية المتطرفة الصغيرة من مخاطبة الملايين من مستخدمي المنصة وتسهيل تنظيم أعمال العنف.
دون شك لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورا هاما في تأجيج هذه الحملة التي يرى الكثير من المحللين أنها تتويج لعقود من انتشار الخطاب المناهض للمهاجرين والمسلمين الذي تماهى معه السياسيون ووسائل الإعلام الكبرى. فعلى مدى 14 عاما من حكم المحافظين تم تغذية مشاعر الخوف من المهاجرين والمسلمين واستعمالهم لربح أصوات ناخبي أقصى اليمين وقد ردّد المتظاهرون في الأيام الأخيرة شعار “أوقفوا القوارب” الذي أطلقته الحكومة المحافظة السابقة. ولعبت وسائل الإعلام الكبرى دورا هاما في نشر خطاب شيطنة المهاجرين والمسلمين، خاصة جريدة “الدايلي المايل” التي تنشر بشكل دوري مقالات حول “المشاكل” التي يسبّبها المهاجرون والمسلمون. وقد مثلت الحرب على غزة وأسلوب تعاطي أغلب السياسيين والإعلاميين مع الاحتجاجات التي عرفتها بريطانيا الأشهر الماضية دليلا إضافيا على حدة الخطاب العنصري التحريضي في البلاد حيث وصفت التحركات ضد العدوان مرات عدة بأنها “مظاهرات كراهية” وتمّ اتهام المشاركين فيها بإثارة الشغب.
لمواجهة أعمال العنف، التجأت الحكومة البريطانية إلى ردّ أمني حاسم حيث تم نشر 6000 شرطي من قوات مكافحة الشغب وتوفير 500 مكان في السجون لاحتجاز مثيري الشغب وتم القبض على أكثر من 900 شخص خلال أيام ووجّهت اتهامات إلى أكثر من 450 منهم بالعنف أو التحريض على الكراهية عبر الإنترنت.
لم تشهد المدن البريطانية أعمال عنف جديدة هذا الأسبوع ويبدو أن الإجراءات الأمنية نجحت في إخماد هذه الموجة العنصرية إلا أن غياب حل جذري ومقاربة شاملة لانتشار آفة خطاب الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين يشي بإمكانية اندلاع موجات أخرى في بريطانيا أو غيرها من الدول الغربية.