الرئيسية / صوت الوطن / دفاعا عن تكتيك المقاطعة
دفاعا عن تكتيك المقاطعة

دفاعا عن تكتيك المقاطعة

بقلم علي البعزاوي

كتب النائب السابق في البرلمان والقيادي في حركة الشعب الأستاذ خالد الكريشي على صفحته في الفايسبوك التدوينة التالية:
“أيّ دعوة لمقاطعة الانتخابات –ولو ضمنيا– هي دعوة لتأبيد الوضع المأزوم خمس سنوات أخرى وإدخال البلاد في المجهول… من يريد التغيير السلمي في قرطاج فليتوجّه بكثافة لصناديق الاقتراع يوم 6 أكتوبر، وتخلصوا من وهم “الثورة الثانية” وأنه “يترنح” وسنسقطه بالشارع… لقد جرّبتم كل هذا طيلة ثلاث سنوات خلت وفشلتم وصرتم أضحوكة للتندر…”.
وبما أن مضمون هذه التدوينة يشكل انتقادا صريحا لموقف حزب العمال من المهزلة الانتخابية ومحاولة للتشكيك في وجاهته وصوابه سواء عن قصد أو غير قصد، رأيت من الضروري الرّد عليه وتوضيح بعض المسائل التي بإمكانها إزاحة الغموض حول خلفيته وأهدافه.
أوّلا، لا بدّ من التأكيد على أن الموقف من الانتخابات هو سلوك تكتيكي مبني على قراءة موضوعية ملموسة لمختلف عناصر الوضع الذي تجري فيه هذه الانتخابات بدءا بالشروط القانونية للترشح وانتهاء بالمناخ السياسي العام والرهانات المتعلقة بها، مرورا بحالة الاستعداد التي عليها الجماهير للمشاركة. وعلى ضوء هذه القراءة يقع تحديد السلوك المناسب – مشاركة أو مقاطعة – الذي بإمكانه أن يخدم مصالح الطبقات والفئات الكادحة والشعبية ويمكنها من المراكمة لتوفير شروط الانتقال الثوري وتحقيق السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الشعبية التي تمكّن الشعب من السلطة الحقيقية. فالموقف إذن مبني على قراءة موضوعية من زاوية معيّنة وليس موجّها ضدّ حق الترشح بالنسبة لمن خيّروا تكتيك المشاركة.
وبما أن حزب العمال ليست له أوهام حول الشعبوية كمشروع مجتمعي ويعتبر أنّ ما حصل يوم 25 جويلية انقلابا الهدف منه الالتفاف على مطالب الثورة والعودة إلى المربع القديم حفاظا على مصالح البورجوازية الكمبرادورية ومشغليها من المؤسسات والدول الاستعمارية، وأن هذه الانتخابات هي الحلقة الأخيرة في سلسلة مشروع البناء القاعدي الشعبوي، وهي تجري وفق شروط قانونية من شانها التضييق على حرية الترشح وفي مناخ عام متأزّم على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع مساعي جدية لضرب حرية الرأي والتعبير والضغط المتواصل على وسائل الإعلام واحتكار العمومية منها التي أصبحت حكرا على ممثلي النظام القائم دون سواه. إلى جانب حالة العزوف الواسعة التي يشهدها الشارع التونسي الذي لا يرى- في أغلبه – أنّ هناك رهانات حقيقية حول هذه الانتخابات التي ستنتظم فقط لتزكية الرئيس الحالي لولاية ثانية. وبالتالي فإنّ كل مشاركة في هذه الانتخابات (اقرأ: الاستفتاء الانتخابي) التي لا تتوفر فيها الشروط الدنيا للنزاهة والديمقراطية والشفافية ستضفي عليها وعلى نتائجها المعلومة مسبقا نوعا من الشرعية.
إن موقف حزب العمال يتمثل في المقاطعة النشيطة لهذه الانتخابات والعمل على إحداث فراغ حول صناديق الاقتراع باعتبار ذلك أحد الشروط الهامة لنزع الشرعية عنها وعن نتائجها والمراكمة من خلال ذلك على طريق إسقاط الاستبداد الشعبوي وسدّ الباب أمام إمكانية عودة الرجعيات السابقة إلى الحكم. إن التاريخ يعلّمنا أنّ الاستبداد لا يسقط عبر الانتخابات بل عبر الانتفاضات/ الثورات وهو ما حصل لنظام بن علي الذي لم تسقطه مختلف المشاركات في مهازله الانتخابية، بل إن هذه المشاركات أضفت عليه بعض الشرعية وعلى انتخاباته مسحة ديمقراطية كان بن علي بحاجة ماسة إليها لتبييض صورته في الخارج. لقد سقط بن على وغادر التراب التونسي هاربا تحت ضغط الشارع وليس عبر الانتخابات.
إنّ ضعف موقف الأحزاب الإصلاحية والرجعية يتأتّى من كونها لا تراهن على التغيير إلا من داخل المنظومة ولا تعوّل على الثورات/الانتفاضات لأنها لا تنسجم مع عقلها السياسي الإصلاحي. وهي مشاركة في كل الانتخابات وفي كل الحالات ولا ترى سبيلا للمقاطعة التي ترى فيها موقفا عدميا.
إن ما سيساعد على “تأبيد الوضع المأزوم خمس سنوات أخرى وإدخال البلاد في المجهول” ليس مقاطعة المهزلة الانتخابية مثلما ادّعى الأستاذ خالد الكريشي بل المشاركة فيها لأن هذه المشاركة – وهي مشاركة ضدّ التيار – ستضفي عليها مسحة تعدّدية وديمقراطية وسيستغلها الفائز منذ الدور الأول، وهو بلا منازع الرئيس الحالي، للتأكيد على أنه فاز في انتخابات ديمقراطية تعددية. وهذا من شأنه أن يضع صعوبات وعراقيل مجانية أمام مهمة التغيير الجذري القادم..

إلى الأعلى
×