الرئيسية / صوت الوطن / حتى لا تتحول حملة الوقاية من مرض “إمبوكس” إلى حملة عنصرية
حتى لا تتحول حملة الوقاية من مرض “إمبوكس” إلى حملة عنصرية

حتى لا تتحول حملة الوقاية من مرض “إمبوكس” إلى حملة عنصرية

بقلم وليد بضيافي

أعلنت منظمة الصحة الدولية يوم 14 أوت في ندوة صحفية أن وباء “إمبوكس”(*) (orthopoxivirose simienne / Mopx) يمثل حالة طوارئ عالمية نظرا لارتفاع عدد المصابين في عدة دول. وإثر هذا الإعلان أصدرت وزارة الصحة التونسية يوم 15 أوت بلاغا مبهما – ثلاث جمل مقسّمة على سبعة أسطر – تعلم فيه بعدم تسجيل أيّة حالة في تونس وأنّ الوزارة اتّخذت جميع التدابير اللازمة. من يقرأ التعليقات على البلاغ يستنتج حيرة المواطنين وتساؤلاتهم التي لم تكف الأسطر السّبعة للإجابة عنها.
مرض “إمبوكس” هو مرض فيروسي، تمّ اكتشافه وعزله أوّّل مرة سنة 1958 عند مجموعة من القردة في عاصمة الدنمارك كوبنهاجن حسب الموقع الإلكتروني لمعهد باستور فرنسا. هو فيروس قريب من الفيروس المتسبّب في مرض الجدري المائي (الإنساني) والذي تمّ القضاء عليه سنة 1977 إثر حملات التلقيح المتواصلة. مرض إمبوكس هو مرض حيواني المنشأ (zoonose) انتقل إلى الإنسان عبر خزان حيواني (réservoir animal) غير معروف. الفيروس يمكنه إصابة أكثر من خمسين نوعا من الثدييات حسب مقال نشره موقع vih.org لأستاذ الأمراض المعدية والاستوائية جون دانيال لوفيفر. ذكر الكاتب في نفس المقال أن أوّل حالة عدوى إنسانية سجلت سنة 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية لطفلة لم تتلقى التلقيح ضد مرض الجدري المائي.
حسب موقع المنظمة العالمية للصحة وموقع معهد باستور فإن العدوى الإنسانية تتمّ عبر ملامسة الطفح الجلدي والسوائل البيولوجية، أي عبر التقبيل والعلاقات الجنسية الغير محمية مثلا، كما يمكن أن تتمّ العدوى عبر استعمال أدوات ملوثة (الأفرشة والثياب…) ويرجّح البعض أيضا أن القطيرات التنفسية (gouttelettes respiratoires) يمكنها نقل العدوى.
الهدف من علاج “إمبوكس” هو العناية بالطفح الجلدي والتدبير العلاجي للألم ومنع تطوّر الأعراض، إلاّ أنّ الهيئة العليا للصحة في فرنسا سمحت باستعمال مضاد لفيروس الجدري المائي في الحالات القصوى. أمّا منظمة الصحة الدولية فهي توصي بتلقيح الأشخاص الذين خالطوا مصابين في غضون أربعة أيام، كما توصي بتطعيم الأشخاص المعرّضين للخطر كالعاملين في ميدان الصحة وعمال الجنس والأشخاص متعدّدي الشركاء الجنسيين، كما تؤكد أن أغلب المصابين يتعافون تماما في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
إنّ العديد من ردود الفعل العنصرية التي صاحبت انتشار مرض “إمبوكس” في الفترة الأخيرة، هي إمّا مبنية عن جهل أو متعمّدة تستغل جهل البعض لبث أفكار مسمومة ضد المهاجرين الغير نظامين القادمين من بقية الدول الإفريقية. فمن المستبعد حسب التطوّر الحاصل أن تنتقل عدوى “إمبوكس” عبر المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، وهذا ما صرّحت به كوثر حرباش المسؤولة عن إدارة الصحة الأساسية لوكالة تونس إفريقيا للأنباء. لدحض النظريات العنصرية، نذكر أن انتشار فيروس “إمبوكس” خارج دولة الكونغو الديمقراطية خلال جائحة 2022 تسبّب في إصابة أكثر من 90 ألف شخص حول العالم ولم تسجّل تونس خلالها أيّ حالة حسب منظمة الصحة العالمية. ثم إن المسافات الفاصلة بين تونس والكونغو الديمقراطية، أين تسجّل 97% من الإصابات بفيروس “إمبوكس”، وبقية الدول الإفريقية التي سجّلت فيها أيضا إصابات بهذا المرض، تفصلها مسافة كبيرة عن بلادنا، أكثر من 7 آلاف كيلومتر بين الكونغو وتونس مثلا، وهو ما يمثل حاجزا أمام انتقال العدوى مباشرة عبر الهجرة غير النظامية حيث تدوم الرحلة، أو المغامرة، أشهرا برا والحال أن الأعراض الأولى تظهر بعد يوم.
من بين وسائل الوقاية اللي تستعملها منظمة الصحة في مقاومة هذا المرض التوعية والإعلام وهو ما كان غائبا في بلاغ وزارة الصحة. حيث تؤكد الوزارة أنها اتخذت “جميع الإجراءات لتدعيم المراقبة” على المعابر الحدودية دون تفصيلها، وأنّ جميع الهياكل الراجعة لها بالنظر جاهزة لمجابهة دخوله دون الحديث عن كيفية الجاهزية خصوصا وأنّ المرض هو مرض “مستجد” بالنسبة للتونسيين. لغة خشبية تثير الرعب بدل الطمأنينة. فلا حديث عن معرفتها بالمرض، خصوصا وأنه مدروس منذ منتصف القرن الماضي، عكس الكوفيد مثلا الذي يعتبر مرضا مستجدا اكتشفه العالَم عام 2019 خلال جائحة مازلنا نعاني إلى اليوم من آثارها الاجتماعية والاقتصادية. كما لم يذكر البيان وسائل الوقاية والعلاج المتوفرة والتي سيقع توفيرها في إطار الوقاية من “إمبوكس”.
إنّ عدم توفير المعلومات الشافية يولّد ريبة ويثير مشاعر الاستفهام لدى المواطنين وهذا ما نستنتجه عند قراءة التعليقات أين انتشرت نظرية المؤامرة ضد التلقيح مثلا. لقد وفّرت وزارة الصحة منذ سنوات بيئة خصبة لهذه النظرية خصوصا جرّاء أدائها خلال جائحة الكوفيد التي ذهب ضحيتها أكثر من 28 ألف مواطن، إذ تأخرت حملة التلقيح وانهارت المنظومة الصحية نظرا لعدم توفير أجهزة التنفس وساد الارتجال على أداء الحكومة عموما. عقب حملة التلقيح ضد الكوفيد كثر الحديث عن أعراض جانبية لبعض التلاقيح لم تعمّم الوزارة أيّ دراسة لتفنيدها أو تأكيدها تاركة المواطن ضحية العديد من الأخبار الزائفة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي عمّقت عدم ثقتهم في التلقيح بالرغم من نشر المركز الوطني لليقظة الدوائية (pharmacovigilance) لنشريّة دورية إلي حدود أفريل 2023. نشريّة تقنية يصعب على غير المختصين الولوج إليها وفهمها.
ولم تقتصر ردود الفعل حول البلاغ على نظرية المؤامرة فحسب بل تمادت إلى ثلاث أسابيع. تستمرّ الأعراض من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وهو ما يجعل من انتقال العدوى عبر تهريب الحيوانات البرية أو عبر وافد من الشمال أكثر احتمالا نظرا لحركة المسافرين العالمية. فرنسا مثلا سجلت سنة 2022 أكثر من خمسة آلاف حالة خلال جائحة “إمبوكس” حسب موقع راديو فرانس بلو (France bleu) وما تزال العدوى مستمرة (بين 12 و26 حالة بين جانفي وجوان 2024).
بالرغم من استبعاد إمكانية حصول عدوى “إمبوكس” عبر المهاجرين الغير نظاميين إلا أن ظروف عيشهم في تونس تجعلهم عرضة لعديد الأمراض والأوبئة. زادت هذه الظروف قساوة إثر الحملات العنصرية المتتالية ممّا جعلهم يعيشون على هامش المجتمع. إنّ ولوج المهاجرين إلى المنظومة الصحية الوطنية يسهّل المراقبة الصحية وعزل المصابين ومداواتهم. لهذا فإن إدماجهم في المجتمع عبر توفير إقامة قانونية تخوّل التمتع بتغطية صحية من شأنه حمايتهم وبالتالي حمايتنا جميعا.

(*) منظمة الصحة العالمية بصدد التخلي عن تسمية “جدري القردة” لما يحمله من الاسم من خلفية عنصرية.

إلى الأعلى
×