الرئيسية / صوت الوطن / المجلس الوطني وتفاقم أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل
المجلس الوطني وتفاقم أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل

المجلس الوطني وتفاقم أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل

1 – الإطار الداخلي للأزمة

انعقد المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أيام 05 و06 و07 سبتمبر 2024 بمدينة المنستير بعد أن تحوّل انعقاد هذا المجلس من عدمه إلى أزمة داخل الأزمة العامة التي تتخبط فيها المنظمة حيث حاول الأمين العام نور الدين الطبوبي والموالون له داخل المكتب التنفيذي الوطني تأخير انعقاده إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المبرمجة ليوم 06 أكتوبر 2024، وذلك بعد أن توقفوا عند حجم الاحتقان داخل هياكل الاتحاد والانتقادات الموجهة إلى المركزية النقابية وبروز الدعوة إلى ضرورة الذهاب إلى مؤتمر استثنائي خلال المنتدى النقابي الذي انعقد بالحمامات من 24 جوان إلى 27 جوان 2024، وقد كان المنتدى بدوره محورا لمحاولات التعطيل والتأجيل من قبل شق البيروقراطية الملتف حول الأمين العام في محاولة لتأجيل انفجار الصراع داخل الاتحاد في ظل موازين القوى غير المحسومة بين مختلف شقوق البيروقراطية وفي ظل تنامي الهجمة على القيادة البيروقراطية من خارج الاتحاد سواء من قبل السلطة أو من قبل بعض مجموعات المعارضة النقابية.

2 – طبيعة الصراع وحدّته:

إنّ تعقد هذا الصراع وتداخل أطرافه قد أدخل إرباكا وغموضا على عدد كبير من المناضلين النقابيين واتسم سلوكهم بالضبابية والتردد والانتظارية بل الخوف على مصير المنظمة جراء تصدعها وانقسامها على نفسها. ولمزيد توضيح المشهد النقابي داخل المنظمة يمكن اختزاله في:

  • تقابل شقين من البيروقراطية داخل المكتب التنفيذي الوطني نتيجة تصادم المصالح: شق ملتف حول الأمين العام يحاول تعويم الأزمة وتجنب سيناريو المؤتمر الاستثنائي على الأقل إلى حين تأمين خروج آمن، وشق يحاول التهرب من وزر ما اقترفته القيادة البيروقراطية في حق الاتحاد منذ مؤتمر سوسة غير الانتخابي في جويلية 2021، بل إنّ أكثر المتحمسين لرحيل هذه القيادة عبر مؤتمر استثنائي كان هو الطرف الرئيسي الذي تكفل بإنجاز مؤتمر صفاقس وترأسه وتوفير كافة ظروف صعود هذه القيادة المنقلبة على قانون المنظمة، وبطبيعة الحال فإنّ لكل شق تحالفاته وامتداداته داخل الجهات والقطاعات. ورغم حدة الصراع بينهما فإنهما يشتركان في سمة بالغة الأهمية لا ينبغي التغافل عنها هي رفضهما التطرق لضرورة التراجع عن الانقلاب على قانون المنظمة وفي مقدمتها المركزة المشطة لآليات أخذ القرار والتسيير المالي والإداري للمنظمة، بل إنّ الطبوبي كان أكثر جرأة منهم عندما اعتذر عن هذا الانقلاب خلال كلمته في اليوم الأخير لأشغال المجلس الوطني واعتبره خطأ استراتيجيا حتى وإن كان هذا الاعتذار تكتيكيا.
  • معارضة نقابية ضعيفة تشقّها عدة تيارات داخل وخارج الاتحاد: تيار نقابي فوضوي ينشط خارج الاتحاد وله امتداداته داخل الهياكل يروّج لمقاربات فوقية مسقطة لحل كافة الهياكل المركزية والجهوية والقطاعية المنتخبة بعد مؤتمر سوسة الآن وهنا وتعيين هيئة تسييرية دون توضيح لتركيبتها أو شروط عضويتها تتولى تسيير الاتحاد والإعداد للمؤتمر الاستثنائي. يتقاطع خطابهم ومقارباتهم مع أنصار السلطة الشعبوية، سواء بطريقة واعية أو غير واعية، رغم محاولته العبثية لإبعاد شبهة هذا الارتباط عنه فأطروحاتهم التي فتحت أمامهم مؤخرا أبواب عدة وسائل إعلامية تؤدي إلى نتيجة واحدة هي تفكيك الاتحاد وهذا لا يصب إلا في مصلحة السلطة وإعانتها على تحقيق أهدافها المعلنة الرامية إلى إلغاء كل الأجسام الوسيطة وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.
  • تيار نقابي ديمقراطي داخل هياكل المنظمة يدافع عن مبادئ الاستقلالية والديموقراطية والنضالية ينأى بنفسه عن الاصطفاف مع شقوق البيروقراطية والسائرين في ركاب السلطة السلطة، وقد دافع هذا التيار النقابي الديموقراطي المناضل عن خيار المؤتمر

لقد انفجر الصراع داخل المجلس الوطني وكان واضحا منذ اليوم الأول أنّ كافة السيناريوات مطروحة في ظل تذبذب مواقف عدة جهات وقطاعات وعدم وضوح موازين القوى، بما فيها سيناريو تعليق أشغال المجلس، وكانت أحداث الجلسة الختامية ومحاولة تمرير اللائحة الداخلية عنوة بعد إسقاط نقطة المؤتمر الاستثنائي منها خير دليل على ذلك.

إنّ المصادقة على اللائحة العامة واللائحة المهنية ولائحة الصراع العربي الصهيوني وانفجار الوضع عند مناقشة اللائحة الداخلية يؤكد مرة أخرى أنّ الأزمة داخلية بالأساس وأنّ القيادة البيروقراطية وهيمنة الصراع على المواقع والمصالح داخل المنظمة أشد خطورة من الهجمات التي تتعرض لها المنظمة من السلطة وأتباعها وهي من عبّدت وتعبّد الطريق أمام مخططات السلطة بتفكيك المنظمة بعد أن نجحت سلطة الكمبرادور على مدى عقود في فصل القيادة النقابية عن حاضنتها الشعبية العمالية وحولتها إلى أرستقراطية عمالية ارتبطت مصالحها بمصالح نظام الكمبرادور لتأبيد وضع التوافق الطبقي ولتمرير الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التابعة والعميلة. لكن الطبقة العاملة في تونس تبقى في حاجة ماسة إلى هذه المنظمة الشغيلة حتى وهي في أسوء حالاتها لانتزاع ما يمكن انتزاعه من مكاسب جزئية خاصة لمواصلة التدرب على أساليب النضال المنظم والوعي بذاتها شيئا فشيئا كطبقة متجانسة ذات أهداف وطنية وديمقراطية.

3 – الانعكاسات على الحركة النقابية والحركة الديمقراطية

إنّ ما اقترفته القيادة البيروقراطية بشقيها وعلى وجه المساواة في حق المنظمة يكاد يرتقي إلى مصاف الجريمة التي تنضاف إلى جرائم الدوس على قيم الديمقراطية والاستقلالية. لقد أضاع المجلس الوطني فرصة لوضع اللبنة الأولى في مسار إصلاح الانحرافات التي قادت المنظمة إلى هذا المصير القاتم. ولكن الاستماتة في تحصين المواقع والخوف من المحاسبة حول المجلس الوطني إلى جزء من الأزمة عوض أن يكون جزء من الحل بل إنه أدخل الاتحاد في نفق يهدد مصيره جملة وتفصيلا وقد يحقق ما عجزت السلطة وأذنابها عن تحقيقه إلى حد الآن، فالانقسام داخل المكتب التنفيذي الوطني أمر واقع منذ مدة طويلة نسبيا ولكنه الآن يتكثف كل يوم ويهدد بضرب الاتحاد عموديا وأفقيا وتنتقل عدواه إلى كافة الهياكل الوسطى والقاعدية والجهات، بل إن الوضع الخطير جدا مرشح للتفاقم أكثر مع مساعي الشق البيروقراطي المدافع عن المؤتمر الاستثنائي الشكلي والمفرغ من محتواه إلى فك الارتباط مع المكتب التنفيذي الحالي لنصبح أمام فرضية خطيرة تتمثل في ازدواجية القيادة وسلطات القرار داخل المنظمة وهو ما ستكون عواقبه وخيمة جدا على الاتحاد، إذ ستتعرض مكانة الاتحاد كقوة ردع وتوازن اجتماعي إلى مزيد التراجع في أعين النقابيين وسينفض جزء مهم من المنخرطين من حوله ويعم الإحباط واليأس عموم النقابيين فينسحبون ويهجرون العمل النقابي ويتكثف الطرد الجماعي للعمال وتسوء حال الطبقة العاملة التي ستجد نفسها منزوعة السلاح وعرضة لمزيد الاستغلال والاضطهاد أمام استفراد الديكتاتورية الشعبوية المنفلتة بها.
تلك هي انعكاسات فشل المجلس الوطني على الحركة النقابية، أما الانعكاسات على الحركة الديمقراطية والتقدمية فستكون هي الأخرى أكثر استفحالا إذ سيتعقد الوضع أكثر إذا دخلت السلطة على الخط لتغليب كفة هذا الطرف على الآخر وتنتعش التعددية النقابية تحت الطلب وسوف تجد الحركة الديمقراطية نفسها منزوعة السند من طرف نقابي لعب أدوارا تاريخية مهمة في الدفاع عن الحريات العامة والفردية رغم عديد النقائص والمؤاخذات المحمولة عليه. إن حاجة المنظمات الديمقراطية والأحزاب السياسية المدنية والديمقراطية لاتحاد قوي ديمقراطي مستقل ومناضل لا تضاهيها أي قوة تعديلية أخرى وميزان القوى الديمقراطية سيزداد اختلالا. لكل ذلك فإن هذا المشهد المأزوم جدا والمتلبد بغيوم المفاجآت غير السارة الذي تعيشه المنظمة يضع الهياكل السليمة المستقلة عن الاصطفاف والطيف الواسع من النقابيين الديمقراطيين الصادقين المتشبثين بعمق بقضايا الطبقة العاملة وبشعارات الديمقراطية النقابية والاستقلالية والنضالية وجميع القوى التقدمية والثورية أمام مسؤولياتهم في حماية المنظمة من الانقسام والانشقاق وعدم التخندق مع أي كان من شقوقها البيروقراطية والشعبوية.
إنّ هذا التوصيف ليس دعوة لا للحياد ولا للجلوس على الربوة والاستقالة بقدر ما هو دعوة إلى شق طريق مستقل ضد كافة أنواع الانحراف آت والانتهازية والمهادنة. طريق يذهب بالصراع الديمقراطي داخل هياكل الاتحاد ومؤسساته إلى أقصاه دون المس بوحدة المنظمة، صراع ذو وطنية مستقلة عن السلطة، يعلن انحيازه دون مواربة لقضايا الطبقة العاملة والشعب التونسي ومعارضته لكافة السياسات والبرامج المنتهكة للحرية والديمقراطية
إن مضامين كهذه مازالت في تقديرنا محور صراع داخل المنظمة صراع يفضي إلى مؤتمر استثنائي ديمقراطي مستقل يعيد للمنظمة مكاسبها الديمقراطية في التسيير والإشراف ويقضي على كل مظاهر المركزة المشطة ويعيد بناء الهيكلة والتصرف المالي على أسس ديمقراطية أفقية، كما للاستقلالية مكانتها وتموقعها وللنضالية وهجها حتى تلعب دورها في المجتمع إلى جانب القوى الديمقراطية والتقدمية وتساهم في تحرير الشعب والوطن من مواقع أمامية.

رؤوف – مناضل نقابي

إلى الأعلى
×