الرئيسية / صوت الشباب / لماذا نقاطع نحنُ كطلبة الانتخابات الرئاسيّة 2024
لماذا نقاطع نحنُ كطلبة الانتخابات الرئاسيّة 2024

لماذا نقاطع نحنُ كطلبة الانتخابات الرئاسيّة 2024

بقلم مي الأحمدي

عندما رجّح الشباب كفّة قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية

بلغت نسبة المشاركة في الدور الأول للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 مجموع 48.98%، وقد تلاه دور ثان بين مرشحين، قيس سعيد مُستقل ونبيل القروي عن حزب قلب تونس انتهت بفوز قيس سعيّد بنسبة 72,71%.
ازدحمت الشوارع رافعة شعارات نصر تبارك فوز المرشح الذي حمل بين طيّات حملته الانتخابية شعارات رنانة تندد بالتدخل الأجنبي، ومقولات مشحونة بالعواطف مثل:
الدستور ما كتبه الشباب على الجدران،
التطبيع خيانة عظمى، قسمٌ ردّده ثلاثا،
لا أنافس خصما بالسجون،
الحقوق والحريات محفوظة لا يمسها سوء.
رقص على خوالج الشعب متيقنا أن آلية فوزه لا تكمن ببرنامج علميٍّ بل تتجلى صراحة بنشد التعاطف وبيع هراء الكلام.
ربح الانتخابات وسار بخطى ثابتة نحو منظومة الحكم الفردي، أستاذ مساعد لمادة القانون الدستوري، ذو لغة عربية ركيكة، يحكم شعبا.

عندما يغادر القانون الفضاء الجامعي

ماذا طبّق سعيّد من القانون الذي درّسه لسنوات؟
نحن طلبتهُ علمنا أساسا أنّ خرق القانون بوّابة يمرّ منها أصحاب السلطة، وتطبيق القانون مآل من لا حاميَ لهُ ولا كرسيّ يسنده.
علمنا سعيّد أن استثناء المبدأ له استثناءات لا يعلمها غير رئيس صعد في انتخابات دون برنامج يُعرض على الشعب، تجلت استثناءاته بداية مع تطبيقه للفصل 80 للدستور الذي كرّسه لإخماد شرارات تحركات 2020ـ2021 التي أسقطت قانون زجر الاعتداء على الأمنيين، مرورا نحو رفض قائمة جرحى الثورة الصادرة، متحوّلة إلى تحركات تطرح إسقاط حكومة المشيشي وحل البرلمان وطرد سعيّد من قصر الرئاسة معيدة إيّاه إلى أستاذ محاضر تجاوز ما درّسه لخدمة مصالحه الخاصة وإخماد شرارة التحركات خوفا عن سلطته.
ومنذ تفعيل الفصل 80 دخلنا عصر الانقلاب بتونس: دبابات تحاصر البرلمان، بهدف التغول على السلط، مطالب اقتصادية واجتماعية يرمي بها في قعر ذاكرته.
وهلل “الشعب الذي يريد” من جديد لهذه الانتهاكات، ظنا منه أن تغيير الجلاد يولد نورا من بين السواد، ومن هناك بدأنا ندرس القانون مجددا على أيادي القانونجي الحديث.

عندما يساهم القانون في تشييد الحكم الفردي

دعوة للحوار أفرزت تجاهلا لمن حضر وساهم في إضفاء شرعية على انقلابه فحسب.
ثم عيّن لجنة لصياغة دستوره، حضرت حضورا شرفيّا باشرت مهامها بالغبطة وانتهت في ذات اللحظة، فلم تشارك حتى في ترقيم أبواب الدستور.
خطّ دستورا حاملا فجوة بين جدران الشوارع ورغباته، مرره باستفتاء، شارك فيه أقلّ من ثلث الناخبين. وهنا نُلاحظ أن الأستاذ لم يحتفظ بذاكرته إلا بآلية النجاح الآلي.
ثم اتجه نحو حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس استثنائي، ضاربا كل مقوّمات الديمقراطية، ممهدا لإقامة صرح للدكتاتورية.
دستور معزز بمراسيم، نذكر الشهير منها، المرسوم عدد 54 الذي باشر تنفيذه أولا على طلبته، الطالب أ ب ح بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة، طالب آخر ترفع أستاذة قضية ضدّه، وطالب نقد الوضع بالكلية على طريقته، بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس. وغيرهم من الطلبة والشباب، الشاب رشاد طمبورة، طلبة من معتمدية قرمبالية تُرفع ضدهم دعوى على شرف سيء الذكر المرسوم 54 لأنهم أنشئوا صفحة تعبّر عن مشاكل مدينتهم.
وعزز هذا القمع من خلال جملة من الاعتقالات السياسية.

ماذا جنى طلبة القانون من حكم أستاذ القانون؟

ماهي مصلحتنا نحن كطلبة من كلّ هذا؟
الطلبة الذين كانت نسبة مشاركتهم عالية في التصويت لسعيّد خاصة في الدورالثاني.
بالنسبة لطلبة الحقوق، فقد تعلموا وجاهة طرق خرق القانون دون رقابة:
فلا مناظرات رفعت نسبة القبول بها، إذ مازال الوضع على حاله: 8000 طالب يجتازون المناظرات من أجل 150 مقعدا.
مناظرة تكرس مركزية الاجتياز.
طالب القانون دون صفة ووظيفة
غياب مبدأ تكافؤ الفرص.
وقد أفضى كل هذا إلى تحرك وطني دعا إليه الاتحاد العام لطلبة تونس وشارك فيها طلبة القانون من كل الولايات وطلبة العلوم السياسية ولم تؤخذ بعين الاعتبار من الرئيس الذي دعا طلبته لانتخابه وتعهد بإصلاح منظومة التعليم العالي.
وتأكيدا على كونه رئيسا عادلا، لم ينصف شعبة القانون، وعلى غرارها لم يول اهتماما لأيّ شعبة أخرى.
فمثلا شعب الانسانيات هي أيضا خريجوها دون صفة ولا وظيفة، لا انتداب لهم، نظام بيداغوجي غير مفعل، ولا شعبة علوم الشغل التي يُحرم طلبتها إلى هذا اليوم من حقهم من التمتع بمرحلة البحث.
مسار نحو إلغاء شعبة الفلسفة وهذا بناء على نسب النجاح في مناظرة القبول بدار المعلمين العليا.
إضافة إلى هذا مسألة إلغاء 45 مسارا تكوينيا على الأقل بالجهات الداخلية.

تدهور غير مسبوق للخدمات الجامعية

كما تشهد الجامعة ضعفا للخدمات الجامعية والتغطية الاجتماعية، إذ لا يتمتّع سوى 39% من الطلبة بالمنحة الجامعية حسب معطيات وزارة التعليم العالي ومن شروط التمتع بها أن لا يتجاوز الدخل السنوي الصافي للعائلة للسنة المنصرمة بعد طرح الأعباء الاجتماعية الأجر الأدنى المهني المضــمون والمقدّر بـ 5848,048 د، أي أن يكون دخل العائلة الجملي في الشهر 701.76 د وإذا اعتبرنا أن الأب والأم يشتغلان فأجر كل منهما على حدة 350د.
وتعتبر هذه الشروط تعجيزية حيث أن الدخل الشهري للعائلة التونسية يُقدّر بحوالي 924 دينارا حسب ما أظهره مسح قام به المعهد الوطني للإحصاء لدى عيّنة من المؤسسات التونسية العمومية والخاصة تمثل 16 قطاعا اقتصاديا، تم اختيارها بطريقة عشوائية من السجل الوطني للمؤسسات.
أمّا الأعباء الاجتماعية:
تُطرح الأعباء الاجتماعية من الدخل الصّافي الخاضع للضّريبة وتتمثّل في ما يلي:
– 100 د عن كلّ طالب.
– 50 د عن كلّ أخ في الكفالة دون 21 سنة.
– 100 د عن كلّ معاق في العائلة.
– 1 د عن كلّ كلم يفصل ولاية السّكن عن ولاية الدّراسة
أمّا بالنسبة للسكن الجامعي فلا يشمل سوى 20% من الطلبة. إذ أنه لم يقع تنقيح القرار الصادر عن وزير التعليم العالي والبحث العلمي المؤرخ في 18 جانفي 2016 والمتعلق بضبط شروط ومقاييس إسناد السكن الجامعي وكذلك معاليم المساهمة المالية للطلبة رغم ارتفاع عدد الناجحين في البكالوريا ومضاعفة عدد الطلبة الذين بلغ عددهم 260707 طالبا في القطاع العمومي في السنة الجامعية 2022ـ 2023 (وهي آخر إحصائيات متوفرة على موقع وزارة التعليم العالي).
إلا أنه في المقابل لم يقم الترفيع في عدد المبيتات الجامعية ممّا أدّى إلى حرمان عديد الطلبة والطالبات من حقهم في إسعاف السكن، فتحوّلت معركة تمتيع كل طالب بحقه في السكن الجامعي إلى حين تخرّجه إلى المطالبة بتمتيع الطلبة بحقهم في إسعاف السكن.
كما أن ارتفاع عدد الطلبة لم يصاحبه تقليص في نسبة البطالة. فطيلة فترة حكم سعيّد، عرفت بطالة أصحاب الشهادات ارتفاعا بلغ نسبة 85%.

حتى تستردّ الجامعة التونسية دورها ومكانتها

إن تهميش القطاع الجامعي العمومي وضعف الخدمات الجامعية وارتفاع نسبة البطالة التي شهدت ارتفاعا كبيرا طيلة فترة الانقلاب لا يعني أن مشاكل القطاع الطلابي انحصرت في هذه الواجهة فقط، بل هي تمتد إلى منظومة التعليم العالي التي حافظت على تكريسها لمنظومة إمد التي تُعدّ إحدى أدوات النظام الرأسمالي في إعادة صناعة أجهزة مؤدلجة لا تخدم غير مصالح الدولة الطبقية، حيث أن هذا النظام المسقط على الجامعة التونسية لم يفرز سوى البطالة وسوء التكوين.
فعدد المواد المكثفة ونمط التدريس يسطح الوعي ولا يفتح آفاق التفكير للطلبة الذين يعتبرون نخبة المجتمع، الفئة المثقفة، التي عرفت عزوفا عن الشأن العام ممّا يشي بأن أدوات العنف الرمزي انتصرت في عصر قيس سعيد في توجيه الشباب والطلبة وتخديرهم وتغييب الوعي لديهم.
فسعيّد المربي حافظ مع الكثير من التعزيز على الصفة التي اتسمت بها الجامعات أي مداجن لتفريخ البؤس والتفاهة، فحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمرصد الاجتماعي التونسي، فقد أصبحت الهجرة غير النظامية ملجأ لكل الفئات الشعبية من بينهم الطلبة وأصحاب الشهائد العليا.
وإن كل هذه الأزمات التي تضاعفت طيلة فترة حكم الرئيس الذي قدّم وعودا استبدلها لحظة فوزه بمسار شعبوي مازالت تتفاقم ما لم نتخلى عن فكرة تغيير الجلاد ومررنا نحو خيارات شعبية تخدم مصالح الشعب كل الشعب.

وفي الختام…

فشعب به 17.7% أمية وطلبته تدجّن بالمنظومة التعليمية الهشة، ويلقى بهم بدهاليز الزنزانة بسبب موقف، وخرّيجوه يعبرون البحار على قوارب الموت، ومن بقي منهم تدمّره البطالة لا يمكن أن تخدمه خيارات فاشستية، ولا يمكن لنا كطلبة أو كشعب أن نشارك في مهزلة انتخابية، لا تتوفر فيها أي معايير لانتخابات تعددية شفافة ونزيهة، علاوة على هذا التصفية التي قام بها سعيّد لمنافسيه، ومن تبقى منهم أيضا وجهان لعملة واحدة.
بالتالي نحن كطلبة نقطع مع كل المنظومات السابقة، لا للشعبوية لا دساترة لا خوانجية.
لا لأيّ وجه لذات العملة بعد اليوم، لذلك نحن نؤكد على ضرورة المقاطعة.

إلى الأعلى
×