الرئيسية / صوت الوطن / خمس سنوات وتمضي..! “الحـيّ يروّح والحبس كذّاب”
خمس سنوات وتمضي..!  “الحـيّ يروّح والحبس كذّاب”

خمس سنوات وتمضي..! “الحـيّ يروّح والحبس كذّاب”

بقلم ماهر الزعق

حُسم الأمر قبل أن يبدأ، مسرحية سمِجة وعهدة رئاسية ثانية لقيس سعيّد، ومع ذلك بعض الملاحظات تفرض نفسها:
– عُدنا إلى نادي 90% للفحش السياسي وهذا كان متوقّعا بحكم طبيعة المسار، السؤال الذي ينبغي طرحه، ليس لماذا قاطع الانتخابات 94% من الشباب؟ ذلك أنّ لهم من الأسباب ما يجعلهم لا يقاطعون الانتخابات فحسب، بل يُحطّمون صناديق الاقتراع وربّما المُضيّ أبعد من ذلك، السؤال هو، لماذا شارك في المسرحية أكثر من ربع المسجلين؟ ألأن المشاركة تمنحهم الشعور بالمكانة والمواطنة أو هي طمعا في رضا السلطة وخوفا من الوشاية، ربّما تكون نتيجة ما بذله الإعلام لترسيخ فكرة الواجب الانتخابي في الأذهان، لعلّهم شاركوا بحكم العادة والتقليد والكسل الفكري أو لتبرئة الذمّة أو حتى من الملل، أم أنّهم كلّما خافوا هُبل أتخموه بالقُبل؟
– أحد منافسي سعيّد زُجّ به في السجن بعد أن زُيّن له الترشّح، أمّا الثاني فقد تخلّى عنه حزبه ولم يجن سوى الهوان وسخط “الزقافنة” وشماتة المعارضة.
– ظهور عدد من الشخصيات العامّة على صفحات التواصل الاجتماعي، كلّ منهم يلوّح بسبابته الملوّثة بالحبر الأزرق ومستعرضا ابتسامة بلاستيكية في لقطة تنمّ عن السذاجة وضيق الأفق والجُبن والانتهازية.
– البلطجة التي ميّزت سلوك الهيئة المُشرفة على الانتخابات والأحكام الصادرة عن قضاء التعليمات (رفض الاعتراف بقرارات المحكمة الإدارية بخصوص قبول الترشحات، تغيير القانون الانتخابي، الحكم بالسجن أو بالإقامة الجبرية على عدد من المترشحين، تجاهل قضايا رُفعت ضدّ قيس سعيّد، عودة استطلاعات الرأي في مخالفة لقوانين الهيئة ذاتها، تهديد من يشكك في نتائج الانتخابات سواء بالتصريح أو بالتلميح..).
– غياب تامّ لقيس سعيّد في الحملة الانتخابية، لا تعبّر عن احتقاره للتونسيين والتونسيات فحسب، بل تعكس نظرة سعيّد لهذه الانتخابات، لا بصفتها فرصة للتنافس وتقييم الإنجازات وتقديم البرامج، بل كونها ملحمة ضرورية ضمن “معركة التحرير الوطني”.
– اقتصار التهاني لقيس سعيّد بالرئاسة الجديدة على عدد من الديكتاتوريات العربية، أمّا قادة إفريقيا فقد تجاهلوا الحدث، لا شك أنّ السلوك العنصري للنظام كان محدّدا في اتخاذ ذلك القرار.
– لو أردنا تقييم حصيلة حكم سعيّد، خصوصا بعد انقلاب 25 جويلية،لما وجدنا أدنى صعوبة. فميزة حكمه الأساسية هي العبث والمغالطات والتدهور في كلّ المجالات، حياة الناس تتحسّن لكن انقطاع الماء وفقدان الدواء وبعض المواد الأساسية متواصل، الوضع الاقتصادي يتعافى لكن نسبة النمو ّتعيسة، التضخّم يتراجع لكن الأسعار تشتعل، التعويل على الذات لكن ثلث الميزانية متأتي من الاقتراض، تسديد كلّ الديون لكن 18063 مليون دينار هي موارد اقتراض لتسديد جزء من الديون، جرد القروض والهبات التي تحصّلت عليها البلاد في العشرية الأخيرة لم يؤدي إلى النتائج المرجّوة، التدقيق في الشهائد المزوّرة فقّاعة إعلامية، الصلح الجزائي بلا مردوديّة، الشركات الأهلية بؤر للزبونية، المجالس المحلية هيئات للمراقبة والوشاية، شراكة مع ميلوني العنصرية ولعب دور بوليس المتوسّط، ادّعاء مقاومة الفساد لكن التهريب منفلت العقال وتحفيز الريع البنكي جاري بلا اقتصاد ولا اعتدال، التبجّح بمقاطعة صندوق النقد الدولي غير أنّ إملاءاته تنفّذ بشكل ماكر ومقنّع، يُصرّح بأنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة عظمى لكنّه يرفض سنّ قانون في الغرض، إقرار دستور يشرّع لحكم الفرد الذي لا يسائل ولا يحاسَبُ، اعتقالات وتنكيل ومحاكمات رأي وسياسة، انتهاك لحريّة التعبير والإعلام والتظاهر والنشر والإبداع، الاعتداء على الحقّ النقابي والحقّ في النفاذ إلى المعلومة، مجزرة طالت القضاء وحرية التنظّم في مرمى نيران النظام وقريبا عودة تهمة الانتماء إلى خشبة المسرح وعلى أيّ حال فإن لكلّ إنسان تهمة وإذا كان سؤال الغَزّاوي، ليس هل سأقتل، بل متى سأقتل؟ فإن سؤال المعارض لسعيّد، ليس هل سأعتقل، بل متى سأعتقل؟

ماذا بعد 6 أكتوبر؟

لقائل أن يقول، دوام الحال من المُحال، خمس سنوات وتمضي، “الحبس كذّاب والحيّ يروّح”، هيهات ثمّ هيهات، لن يترك السلطة إلا متى أُجبِرَ على ذلك، أمّا عن خطاب التهدئة والتدفئة والتجميع والبناء والتشييد فهو موّجه لأصحاب المال والأعمال وللجهات الأجنبية ومن ضمنهم صندوق النقد الدولي، تهافت هذا الخطاب سيُكشف سريعا، لكونه على نقيض سردية الرئيس القائمة على التحشيد، انطلاقا من فكرة المؤامرة والتخوين والتطهير وحرب التحرير ولن يحجب هذا الخطاب مسعى سعيّد لتشييد نظام سيطرة مستقر، مرتكزا على الأجهزة الصلبة، معوّلا على المجالس المحلية والشركات الأهلية المرتبط ولاؤها بحجم الهبات والامتيازات التي سيغدقها عليها النظام، معتمدا على القذارة الحيّة والحقارة الوقحة التي استحوذت على المشهد الإعلامي، أوغاد يثيرون التقزّز ولا يطيقون الحياة دون تملّق، يتلذّذون بإلحاق الأذيّة بالغير، همّهم رضا السلطة وتحصيل المكاسب المادية، يستقون المعلومات من منابعها، ليس من المهاترات بل من المخابرات، يُهيّئون الرأي العام لقبول بسعيّد رئيسا مدى الحياة، تبدأ بولاية ثالثة وإثرها لكلّ حادث حديث وعلى العموم العجلة من الشيطان… هؤلاء أفاعي ومجاملة الأفاعي جريمة.
أكثر من أيّ وقت مضى، سيتميز حكم سعيّد بعد 6 أكتوبر بازدهار دولة البوليس ومجتمع التلاشي والتفاهة ومستنقع الوشاية ومنظومة الريع والاقتصاد الطفيلي، مَثل هذا النظام كمَثل الصدأ الذي يفتت الحديد بلا رأفة ودون شفقة، ربّما أكون مخطأ في الظنّ والتقدير وسيدوم زمن سعيّد أكثر من خمس سنين، حتى وإن زال وغيّرت المنظومة جلدها وجدّدت نفسها فإنّ الحصيلة ستكون هزيلة، شديدة الهزال وسيتواصل البؤس وتستمرّ المعاناة وسترى الناس يسلخون السنين يجرّهم إعصار الحياة، المطلوب برنامج تغيير جذري يلتفّ حوله عموم الشعب الكادح والمُفقّر، انتفاضة شعبية تقضي على التبعية والاستبداد وتحقّق العدالة، فلا معنى للحياة إذا انتهكت الحريّة وانتفت العدالة.

إلى الأعلى
×