بقلم ألفة البعزاوي
الساعة السابعة وخمسة عشر دقيقة من مساء يوم الإثنين 12 نوفمبر، وبحضور عدد كبير من النقابيين والنشطاء والسياسيين وعدد من عاملات وعمال مصنع “ريتون” السويسري/الألماني للأحذية بالقيروان وعائلاتهم، وفي ظل تعزيزات أمنية مكثفة، أعلنت المحكمة الابتدائية بالقيروان عن قرارها في شأن الكاتب العام للاتحاد المحلي للشغل بالسبيخة الأستاذ جمال الشريف وعاملات وعمال المصنع سواء الموقوفين أو من جاء منهم في حالة تقديم، وتمثل هذا القرار في إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقّ العمال والسيد جمال الشريف وإحالة العاملات في حالة سراح يوم الخميس 14 نوفمبر، وتجدر الإشارة أن الإحالة تشمل 25 عاملة وعاملا بالإضافة إلى السيد جمال الشريف.
مشهد لن ينساه الحاضرون أمام المحكمة الابتدائية بالقيروان يتمثل في غضب العاملات وحزنهن جراء المظلمة التي يتعرّضن لها رفقة زملائهن ورفضا للسراح في حين يقبع رفاقهن بالسجن.
تعود انطلاقة التحركات بالمصنع إلى يوم الخميس 10 أكتوبر إثر غلق الطريق الرابطة بين السبيخة والقيروان على مستوى قرية العلم ممّا أدّى إلى استحالة تنقل العاملات والعمال بالمصنع القادمين من السبيخة والتحاقهم بالعمل ليجدوا في اليوم الموالي أن الإدارة قامت بخصم يوم من أجرتهم. وعندما حاولوا النقاش وتوضيح أسباب الغياب قامت الإدارة بمضاعفة الخصم إلى 3 أيام، وهو ما دفع بالعمال المعنيين إلى الاحتجاج. هذه المظلمة كانت النقطة التي أفاضت كأس سخط وغضب العمال، المعنيين وغير المعنيين بالخصم كذلك، المحتقنين بسبب أوضاعهم المزرية وسلبهم أبسط حقوقهم، فلا منحة خطر للعمال ولا تعهّد لحالات المرض، حتى الخطيرة منها، جراء المواد المستعملة في المصنع، بل يقع طرد هذه الحالات دون أدنى تعويض، ومضاعفة مبلغ تكاليف النقل المقتطع مباشرة من الأجر مع عدم مطابقة كشوفات الأجر للأجور الحقيقية للعمال…
كما أن الترسيم صار عند العديد من العمال وخاصة الجدد منهم حلما باعتبار اعتماد العقود قصيرة المدة الزمنية وتجديدها بشكل متقطع (هناك فاصل زمني بين عقود العمل). أمّا العقوبة التي تنتظر كل من يحاول الدفاع عن حقوقه من العمال فهي الطرد التعسفي. هذا إضافة إلى سوء المعاملة التي يعيشها العمال بشكل يومي، ناهيك أنّ أحد الأعراف بالمصنع قال متوجها إلى إحدى العاملات “الصباط هذاكا أغلى منك”. كل هذه الانتهاكات مجتمعة وما خلّفته من سخط وغضب لدى العمال الذين أعلنوا جميعا دخولهم في إضراب للمطالبة بجملة من النقاط منها عدم الخصم من أجور زملائهم. وقد واصل العمال إضرابهم الحضوري بالمصنع لمدة 10 أيام نظموا خلالها المسيرات ورفعوا الشعارات في ساحة المصنع. كما حضر كل من الاتحاد المحلي للشغل بالسبيخة والاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان لمساندة العمال في الدفاع عن مطالبهم المشروعة. وفي اليوم العاشر زار والي الجهة العمال المضربين ودعاهم إلى تعليق الإضراب متعهّدا بالتدخل لدى صاحب المصنع وحلّ الإشكاليات.
بعد العودة إلى العمل تفاجأ العمال بقرار طرد 28 عاملة وعاملا بالإضافة إلى اقتطاع 10 أيام من أجور كل العمال، وهو ما دفعهم إلى العودة للإضراب من جديد. كما حدّد الاتحاد المحلي بالسبيخة موعدا لعقد مؤتمر وانتخاب نقابة لعمال المصنع، فما كان من إدارة المصنع إلاّ غلقه لمدة 10 أيام، وهي المدة التي بدأت تصل فيها الاستدعاءات والإيقافات في صفوف العاملات والعمال بعد توجه إدارة المصنع بشكاية ضدهم بتهمة تعطيل حرية العمل وإيقاف كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالسبيخة الأستاذ جمال الشريف بنفس التهمة بالإضافة إلى تهمة التواجد دون صفة.
يوم الأربعاء 13 نوفمبر عقد الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان هيئة إدارية استثنائية بمقرّ الاتحاد بمعتمدية السبيخة وأعلنت عديد المؤسسات بالجهة عن إضراب بيوم للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين وإيقاف التتبعات في حق كل المتهمين جورا.
إنّ ما يتعرّض له عاملات وعمال مصنع “ريتون” السويسري/الألماني هو جريمة حقيقية تقيم الحجة أن رأس المال وخاصة الأجنبي هو في الواقع من يمتلك السلطة بالبلاد وأن كلّ القوانين والمؤسسات مسخّرة لخدمته والدفاع عن مصالحه، وهو ما وصل إليه وعي العمال من خلال تجربتهم وكثفوه في قولهم “نحن نعيش اليوم استعمارا بشكل جديد” ضاربين عرض الحائط الشعارات الخاوية للشعبوية عن السيادة الوطنية. كما أن إيقاف كاتب عام الاتحاد المحلي والعمال على خلفية إضراب هو جريمة لهذا النظام الشعبوي الفاشي المعادي لكل الحقوق والحريات وعلى رأسها حقّ الاحتجاج والتعبير وحرية العمل النقابي والسياسي.
إن الأوضاع تستوجب اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى مزيد وحدة القوى الديمقراطية والتقدمية دفاعا عن الحق النقابي والسياسي، دفاعا عن حرية التعبير ودفاعا عن الحقوق والحريات عموما السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية.