الرئيسية / صوت الوطن / حول طبيعة الدولة الديمقراطية الشعبية البديلة
حول طبيعة الدولة الديمقراطية الشعبية البديلة

حول طبيعة الدولة الديمقراطية الشعبية البديلة

بقلم علي البعزاوي

تطرقنا في عدد سابق من صوت الشعب (العدد 49) من خلال مقال تحت عنوان “من أجل استكمال مهام الثورة ” إلى الأزمة العميقة والشاملة التي تضرب بلادنا والتي تتطلب حلولا جذرية وأكدنا على أهمية البديل الديمقراطي الشعبي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إلا أن هذا المقال رغم تطرقه لبعض ملامح الدولة الديمقراطية الشعبية باعتبارها “دولة مدنية علمانية تكرس الحريات العامة والفردية والمساواة بين الأفراد عامة وخاصة بين النساء والرجال وبين الجهات وتضمن حرية المعتقد والضمير والعدالة والمساواة…” فإنه لم يتطرق بكامل الوضوح إلى طبيعة هذه الدولة والنظام السياسي الذي ستنتهجه. وهذا ما سنسعى إلى توضيحه قدر الإمكان في هذا المقال الذي يعتبر مكمّلا للمقال السابق.

طبيعة الدولة الديمقراطية الشعبية

إن برنامج الدولة الديمقراطية الشعبية، باعتبارها البديل عن دولة الاستعمار الجديد الحالية، الذي ستعمل على تكريسه على أرض الواقع لا يخرج عن رأسمالية الدولة. فهو ليس الاشتراكية ولا الشيوعية بعد. هذا النمط تفرضه حالة المرور من اقتصاد تحت الهيمنة الامبريالية وأداتها المحلية البورجوازية الكبيرة العميلة إلى اقتصاد تسيّره الدولة الجديدة بقيادة العمال والفلاحين وعموم الفئات الشعبية المتضررة من الوضع السابق. هذه المهمة هي في الأصل مهمة البورجوازية لكن هذه الأخيرة لم تعد مؤهلة لإنجازها لأنها أصبحت في العصر الامبريالي قوة رجعية على طول الخط بالإضافة إلى خصائصها كبورجوازية محلية وكيلة للامبريالية وخادمة لمصالحها. لذا أوكلت (المهمة)عمليا للطبقة العاملة متحالفة مع الفلاحين والفئات الشعبية التي لها مصلحة في تحقيق الاستقلال الكامل والفعلي والتحرر من الهيمنة الامبريالية والسيطرة على ثروات بلادها.
هذا النمط من الرأسمالية أي رأسمالية الدولة التي تتحكم فيها الطبقات والفئات التي سبق ذكرها تختلف اختلافا جوهريا عن الرأسمالية الواقعة تحت سلطة الكمبرادور. فهي رأسمالية متحكم فيها وحدودها مرسومة بوضوح إضافة إلى ارتباطها الوثيق بدولة العمال والفلاحين والفئات الشعبية. هذا الائتلاف الطبقي الحاكم الجديد لا مصلحة له بطبيعة الحال في عودة الرأسمالية القديمة وإعادة تمركز رأس المال والثروة لدى أقلية جشعة، وسيمنع بالتالي عبر القوانين والإجراءات المختلفة ظهور رأسماليين كبار أو محتكرين جدد حتى لا تعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق. لكنه في المقابل سيفسح المجال للملكية الفردية الصغرى والمتوسطة بالمدينة والريف والتي كانت محاصرة ومكبلة بقيود البورجوازية الكمبرادورية المتحكمة في كل شيء، للعمل والإنتاج وتحقيق الأرباح وخلق الثروة وإعادة توظيفها سواء في مشاريع جديدة يقع إحداثها أو في تطوير المشاريع الموجودة والناشطة بما يوسّع كمّيا ونوعيا البنية الأساسية للاقتصاد الجديد. وهو الشرط الذي سيمكن الدولة الديمقراطية الشعبية من تطوير الإنتاج الكبير وتوسيعه والذي بدوره سيساعد على إعادة تشكيل تركيبة المجتمع باتجاه توسيع صفوف الطبقة العاملة وهيمنة العنصر العمالي والكادح على تركيبة المجتمع. هذا التطور هام من أجل استقرار الدولة الجديدة وتوازنها ومساعد على الانتقال لاحقا إلى الطور الاشتراكي عندما تتوفر شروطه الموضوعية.
إن ما ستنجزه الدولة الديمقراطية الشعبية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وفي إطار رأسمالية الدولة الجديدة يرتكز أساسا على:

  • القضاء على جميع مواطن ومظاهر الهيمنة الامبريالية على بلادنا وتأميم المؤسسات والأملاك والأنشطة الواقعة تحت سيطرة القوى الاستعمارية الأجنبية.
  • مصادرة أملاك كبار الرأسماليين الكمبرادور في المدينة والريف وتحويلها إلى ملك للشعب تحت سيطرة الدولة والتسيير المباشر للعمال والفلاحين وعموم فئات الشعب.
  • اتباع خطة تنموية جديدة تقوم على منح الأولوية للقطاعات المنتجة وخاصة الصناعية (الصناعة الثقيلة أساسا).
  • تمتيع الطبقة العاملة والجماهير الكادحة بشكل فعلي وملموس بكل الحقوق في العيش الكريم (تحسين الأجور، توفير الشغل والصحة والتعليم والنقل والسكن والترفيه…).

النظام السياسي للدولة الديمقراطية الشعبية

عندما فشلت حكومة المشيشي في معالجة الأزمة واحتدت الصراعات بين مختلف الفرقاء السياسيين، تعالت الأصوات للمطالبة بتغيير النظام السياسي من نظام برلماني معدّل إلى نظام رئاسي بدعوى أن النظام السياسي الذي فرضته حركة النهضة وحلفاؤها والذي يعطي صلاحيات هامة للبرلمان ولرئيس الحكومة المكلف من طرفه هو أصل الأزمة، وأنه بمجرد العودة إلى النظام الرئاسي يمكن تجاوز هذه الأزمة لأن الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب، بحكم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، سيتخذ القرارات بالسرعة المطلوبة ودون تعطيل من أي طرف بما في ذلك البرلمان.
إن مقاربة حزب العمال حول النظام السياسي لا تنحصر في ثنائية النظام الرئاسي والبرلماني رغم أن هذا الأخير يمكن أن يوفر أكثر ضمانة للتعددية السياسية وتعتبر أن الأساسي والمحدد هو البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والخيارات العامة التي سيقع اعتمادها، هل هي خيارات وطنية وشعبية تكرس السيادة الوطنية وتخدم مصالح الأغلبية أم خيارات لا وطنية ولا شعبية تخدم حصريا الأقلية الكمبرادورية.
إن الدولة الجديدة ستعمل على إحلال نظام سياسي شعبي يكرس مبدأ السلطة للشعب من خلال هيئات تمثيلية ممثلة لكل الفئات الشعبية، منتخبة ديمقراطيا ولها صلاحية اتخاذ القرارات وسنّ القوانين وانتخاب السلطة التنفيذية ورئيس الدولة والقضاة والقيادات الأمنية والعسكرية والمسؤولين في الإدارة… مع حق سحب الثقة من أيّ منتخَب يحيد عن البرنامج الذي انتخب من أجل تنفيذه.
النظام السياسي لدولة الديمقراطية الشعبية يكرس إذن مبدأ الانتخاب المباشر لكل السلطات والمسؤوليات بما في ذلك رئيس الدولة. ويتمتّع فيه الشعب إلى جانب حق الانتخاب والمراقبة والمتابعة والمحاسبة وسحب الثقة، بحق الحضور في المجالس المنتخبة وإبداء الرأي وتقديم المقترحات في مختلف المسائل والقضايا المطروحة للنقاش وكل ما يتعلق بمصيره داخليا وخارجيا وفي مختلف المجالات.
بهذا تكتمل الصورة لهذه المنظومة الجديدة الديمقراطية الشعبية القادرة على تحقيق التقدم والرقي والإزدهار الاقتصادي والاجتماعي وخدمة الأغلبية الشعبية وتكريس السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية وإرساء علاقات تعاون وتبادل متكافئ مع شعوب ودول العالم خدمة للمصالح المشتركة. هكذا دولة لا يمكن أن تتغوّل على الشعب وتبتلع الجميع بل خادمة لمصالحه وخاضعة لإرادته.
السلطة للشعب من أجل السيادة الوطنية والديمقراطية الشعبية والعدالة الاجتماعية.

إلى الأعلى
×