الرئيسية / صوت الوطن / السلطة الشعبوية تعلن الحرب على العمال وحقوقهم النقابية
السلطة الشعبوية تعلن الحرب على العمال وحقوقهم النقابية

السلطة الشعبوية تعلن الحرب على العمال وحقوقهم النقابية

بقلم رؤوف بن سليمان

في الوقت الذي ما انفك فيه قيس سعيد يقرع طبول حرب التحرير الوطني يجد مواطن تونسي يتولّى مسؤولية نقابية نفسه رهن الإيقاف وعرضة للتتبعات العدلية ومهددا بالسجن. لا لشيء إلاّ لأنه حاول القيام بواجبه نحو منظوريه، وبناء على اتهامات وجّهها إليه مستثمر أجنبي منتصب بالبلاد التونسية من بينها تهمة التواجد دون صفة داخل مقر المؤسسة التي يملكها هذا المستثمر.
إنّ هذه الحادثة التي جدّت بمعتمدية السبيخة من ولاية القيروان والتي كان الكاتب العام للاتحاد المحلي للشغل بالسبيخة صحبة عدد من العاملات ضحية لها ليست سوى تعبير مكثف عن حجم التمويه والمغالطات التي تمارسها السلطة الشعبوية بترويجها للخطابات التي ترشح وطنية ومبدئية وانحيازا للطبقات الشعبية والكادحة لتخفي الممارسات الأشد عداء لقضايا العمال والطبقات الشعبية والأكثر تفريطا في السيادة والكرامة الوطنية. وقس على هذه الحادثة عشرات القضايا والملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تقع بين يدي الشعبوية فتغلفها بالعبارات النقية والوطنية لتكون في نهاية المطاف ضحية بدورها لهذا التناقض الصارخ بين الخطابات الرنانة والجوفاء التي تستعرض صولات وجولات “القائد الملهم” وحرسه الشعبوي والممارسات المعاكسة تماما لمحتوى تلك الخطابات.
من بين السمات الجوهرية التي التصقت بالظاهرة الشعبوية طيلة التاريخ الحديث سعيها إلى الاستثمار في مناخات الأزمة ومشاعر الخوف والإحباط التي تنتاب الشعب حين يتعرض قوت يومه أو أمنه للتهديد أو للخطر وتواصل سطوة النظام الشعبوي أو بصورة أدق سطوة “القائد الملهم” يقتضي تواصل الأزمة وتواصل مناخات الخوف والرعب من أعداء الشعب وحتى إن غاب العدو فلا بد من اختلاق عدو للشعب لكي يجد “القائد الملهم” دوما سببا لقرع طبول الحرب وتأليب شعبه وتحشيده.
وبعد أن أصبحت أسطوانة اللوبيات والعصابات والأطراف أسطوانة مشروخة، فلا القائد وأجهزته المدججة بالسلاح والتكنولوجيا تمكنت من إماطة اللثام عنها ولا هي أدّت يمين الطاعة للسيد الجديد. اختارت السلطة الشعبوية تصعيد هجمتها على الاتحاد العام التونسي للشغل وترشيحه للعب دور العدو رقم واحد للوطن والشعب بوصفه معرقلا للرسالة الربانية والتاريخية التي كلّف القائد بتبليغها وتطبيقها. لقد أصبح النقابيون والعمال في السبيخة أعداء للوطن بعد أن سوّلت لهم أنفسهم تعكير صفو رأس المال الأجنبي ونزهته في بلادنا لمراكمة الأرباح بالمطالبة بحقهم في ظروف عمل توفّر لهم الحد الأدنى من الشروط الصحية والسلامة المهنية في ظل تعاملهم مع مواد كيميائية سامة بمعمل الجلود والأحذية بالسبيخة وبحقوقهم المادية والمعنوية المنتهكة من قبل المستثمر الأجنبي الذي يبدو أنه فهم قبل النقابيين وقبل العمال أنّ الخطاب الشعبوي الذي تروّجه السلطة ليس سوى ذر للرماد في عيون الشعب لتلهيته عن المشروع الشعبوي الحقيقي. فلم يتردد المستثمر الألماني في انتهاك أبسط الحقوق والنكث بتعهداته للسلط المحلية والجهوية ولحكومة سعيد بما لا يدع مجالا للشك أو التساؤل حول حقيقة الارتباطات الطبقية لمنظومة حكم قيس سعيد بوصفها منظومة كمبرادورية لا تختلف عن سابقاتها في وكالتها للرأسمالية العالمية. فعن أيّ حرب تحرير وأيّة سيادة وكرامة وطنية يتحدث السيد قيس سعيد وحشده الشعبوي وحقوق عاملات وعمال تونس تغتصب فوق أرض وسماء تونسية من قبل رأس المال الأجنبي.
إنّ ما جدّ بالسبيخة من ولاية القيروان ليس حادثة معزولة عن السياق العام الذي تنتهجه السلطة في علاقتها ورؤيتها للتنظيمات النقابية والسياسية والمدنية الذي يمكن إدراجه تحت نفس الشعار الذي غطّى جدران الشوارع والمحلات العمومية والمدارس الألمانية في ثلاثينات القرن الماضي “شعب واحد، دولة واحدة وقائد أوحد” فلا تنظيمات ولا أحزاب ولا نقابات، بل ولا ذوات ينبغي أن يعلو صوتها فوق صوت القائد الأوحد.
لئن طالب الرئيس قيس سعيد من رئيس منظمة الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في آخر لقاء جمعهما يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 بالانخراط في “حربه الدونكيشوتية” بالتخفيض في الأسعار فإننا نعتقد جازمين أنّ الرأسماليين قد وجّهوا سهامهم إلى صدور العمال والكادحين وليس نحو الأسعار التي واصلت ارتفاعها الجنوني، فإنه لم يتوجّه بطلب مماثل للمنظمة الشغيلة بل اكتفى بالتهديد والوعيد ضد كل من تسوّل له نفسه الصد عن العمل حسب تعبيره وقد بدأ ذلك التصريح كأنه إشارة انطلاق لهجمة رأس المال المحلي والأجنبي ضد العمال لا سيّما في القطاع الخاص ضد العمال وممثليهم النقابيين. فلئن طفت حادثة السبيخة على سطح الأحداث الوطنية بحكم المسؤولية النقابية التي يتقلدها أحد الموقوفين وهو السيد جمال الشريف بصفته الكاتب العام للاتحاد المحلي للشغل فإنّ الانتهاكات للحقوق النقابية والحقوق المادية والمعنوية والتنكيل بالعمال تكاد تكون يومية في مختلف جهات البلاد على مرأى ومسمع من السلطة التي ترفع شعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية والانحياز للمفقرين والكادحين في خطاباتها. ولكن على مستوى الممارسة والواقع المرير الذي تعيشه الطبقة العاملة فهي تقود العمال الذين لم تنقشع عن أعينهم بعد غشاوة الخطاب الشعبوي نحو مسلخ الاستغلال الرأسمالي وهي تبشّرهم بأنّ الرخاء والكرامة والعدالة ينتظرونهم هناك. وإن ارتفعت أصواتهم بالاحتجاج وحقهم في الدفاع عن أنفسهم فإنّ التهمة جاهزة وهي الخيانة والتآمر والتحالف مع اللوبيات والفاسدين والأطراف وغيرها من التهم الجاهزة التي أصبحت مثيرة للسخرية والتندر.
إنّ ما يثير التساؤل والاستغراب حقا هو تواصل تقوقع الاتحاد العام التونسي للشغل وردّات فعله المحتشمة ضد ما يتعرض له من استهداف ممنهج يستهدف تجريده شيئا فشيئا من آليات نشاطه ومقوّمات وجوده باستهداف الحق النقابي وحق الإضراب والعمل على تجفيف منابع تمويله العمومي بحرمانه دون المنظمات الأخرى من المنحة السنوية وتلكؤ الحكومة في تمكينه من معاليم الانخراط وغلق لباب التفاوض والحوار واستهداف كوادره بالتتبعات والملاحقات القضائية…
كلها تمشيات تستهدف ضرب الاتحاد في كيانه ووجوده. فنحن اليوم لسنا أمام محاولة لتركيع أو تدجين الاتحاد مثلما دأبت عليه السلطة الحاكمة قبل الثورة وبعدها بقدر ما نحن أمام محاولة للقضاء على المنظمة في سياق المشروع الشعبوي الذي يسعى إلى القضاء على كافة أشكال التنظم خارج الدولة وخارج إرادة القائد الذي يختزل الدولة في شخصه. هذا هو جوهر المشروع الشعبوي الذي لم تتفطن له قيادة الاتحاد في الإبان وها هي اليوم تدفع ضريبة موقفها من الانقلاب بل إنها تدفع الضريبة مضاعفة بسبب ترددها ومواصلة مراهنتها على تحقيق اختراق في المنظومة الشعبوية من هنا أو هناك يعيد فتح باب التفاوض ويعيد للبيروقراطية النقابية هيبتها ونفوذها. وقد تزامن هذا الاستهداف الشعبوي مع أزمة داخلية عميقة تهدد بانقسام الاتحاد وتُفاقم من حالة العطالة النضالية والعجز عن اتخاذ القرارات والإجراءات التي ترتقي إلى مستوى خطورة ما تتعرض له المنظمة وما يتهدد البلاد عامة في ظل عجز الاتحاد عن الاضطلاع بدوره الوطني وأول هذه القرارات هي:
– العودة إلى المجلس الوطني الأخير وإتمام أشغاله
– تنقيح القانون الأساسي والنظام الداخلي للمنظمة وأولى الخطوات في هذا الاتجاه هي إلغاء تنقيحات المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي الأخير التي كانت سببا من أسباب الأزمة ودعم الممارسة الديموقراطية والتداول على المسؤوليات النقابية ودعم آليات الشفافية والحوكمة والرقابة المالية.
ومن ثمة الذهاب إلى مؤتمر وطني استثنائي بلوائح ذات مضامين ديموقراطية، وطنية تضع حدا لضبابية الوعي والممارسة النقابية داخل المنظمة في مواجهة القضايا والتحديات الكبرى التي تهدد الوطن والطبقة العاملة.

إلى الأعلى
×