الرئيسية / صوت الوطن / نُخبة الحُمق، حُكم العسكر ومجتمع الوشاية…
نُخبة الحُمق، حُكم العسكر ومجتمع الوشاية…

نُخبة الحُمق، حُكم العسكر ومجتمع الوشاية…

بقلم ماهر الزعق

اعتقال نقابيّين وعمّال، دروس خصوصية، هنشير الشعّال، ترميم مسبح، إيقافات في صفوف الشباب، قاضي التحقيق، أخلاق حميدة، ممنوع التداول في حالة الطقس، البطاطا مفقودة، الزوجة الثانية، البطاطا مسمومة، مؤامرة أخرى… هكذا هي حالنا، قرف للبعض وعلف للبعض الآخر، لا ريب وأنّنا على حافة الهاوية…

نُخبة الحمق: عِماد النخبة الجديدة التي احتلّت صدارة المشهد يتشكّل من حثالة الانتهازيين الآكلين على جميع الموائد، جلّهم كانوا من أتباع السبسي والشاهد أو القروي وعبير، جلّهم كانوا تجمعيين، بعضهم من روافد النهضة والبعض الآخر من نكرات محسوبين على اليسار، وإن كان الولاء هو الشرط الأساسي لانتقاء المُروّجين لتوجهات وسياسات النظام، وإن كان المدافعون عن سلطة بورقيبة وبن علي يتميزون بقدر من الفطنة ومستوى معرفي مقبول، فإنّ نخبة سعيّد تتميز بالفضاضة والتهريج. فالمهارة عندهم تقاس بالقدرة على التذلّل والصَّغار والكفاءة تقاس بالقدرة على تجريح أصحاب الرأي المخالف والتشنيع بالمعارضة. وأمّا الجدارة فتقاس بمنسوب الحُمق وبقدر محدّد من العُته، هذا الاختيار ليس اعتباطا، بل هو في انسجام تامّ مع فكر الخليفة القائم على معادة النخب التقليدية واستبدالها بالقذارة الحيّة من أجل تجويف الأدمغة وخفض مستويات الذكاء وجعل الناس تطبّع مع العنف والتفاهة، تطبّع مع الرداءة والقذارة.

حكم العسكر: لا شكّ أنّ عصب الحكم في تونس هو وزارة الداخلية، كما أنّه لا يخفى على الكثيرين أنّ تباشير تشكّل ميليشيات العنف والإقصاء مُضمّنة في دستور 2022 والتي يمكن أن تكون المجالس المحلية هي نواتها الرئيسية، لكن الجديد في زمن العلوّ الشاهق ومنظومة حكم سعيّد هو الدور المتصاعد للمؤسسة العسكرية، من ذلك اضطلاع القضاء العسكري بالعديد من القضايا التي تخصّ المدنيين وكذلك الدور المتعاظم للمخابرات العسكرية وتكليف الجيش بتنفيذ مشاريع استعراضية مثل ترميم المسبح، وعدد من عساكر مجلس الأمن القومي يعدّون من المُقرّبين للرئيس ومن مستشاري القصر، وعدد آخر من الوزراء ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، هذا التوجه يهدّد بالتطبيع مع الانقلابات ويضرب في المقتل مدنية الدولة.

مجتمع الوشاية: حين تتغيّر صورة الواشي، من ذلك الجبان، الخائن والديّوث، من ذلك الانتهازي الساديّ الذي يريد تحقيق مكاسب مادية على حساب أذيّة الآخرين، من ذلك الشخص الضعيف والمريض الذي يشعر بالتفوّق حين يفوز برضا السلطة أو يُحظى بنظرة تفهّم من أحد المسؤولين، حين يتحوّل مثل هذا الكائن من وضعيّة “القوّاد” إلى وضعيّة وشخص يؤدي واجب أخلاقي ويقوم بتضحية ضرورية في “معركة التحرير الوطنية”، حينها نكون في صلب مجتمع الوشاية، حيث الكلّ يراقب الكلّ والحاكم يراقب الجميع، لسنا بعيدين عن هذه الكارثة فانتشار الخوف وانعدام الثقة واعتقال العديدين بناء على شهادات من وشاة يحملون أسماء رمزيّة، وفي زمن هيمنة الفضاء الرقمي وفضيحة المرسوم 54 لا أحد في مأمن من الوشاية والتشهير، مجتمع الوشاية هو مجتمع الصنصرة الذاتية ومراقبة البعض للبعض ومعاقبة الناس أنفسهم بأنفسهم، مجتمع يتحوّل فيه المواطنون العاديون إلى وشاة ومخبرين وتغدو فيه الوشاية طبيعية وأداة ضبط وتحكّم في الجماهير.
إذا أضفنا إلى هذه المصائب جملة المصاعب التي تواجه التونسيين في حياتهم اليومية سنخلص حتما إلى أننا على حافة الهاوية، أمّا عن ما العمل؟ فلكم سديد النظر و… لكن إليكم هذه المقولة النبراس للشهيد حسين مروّة: « الثورة كالحياة، إن هي لم تتجدّد لحظة فلحظة وإن هي لم تولد ميلادا جديدا مع كلّ نبْضة وإن هي لم تلد حياة جديدة مع كلّ خفْقة، كانت “طرحا” يموت ساعة يولد.. ».

إلى الأعلى
×