الرئيسية / صوت الوطن / الصدفة تصنع اللص والضرورة تصنع المستبدّ
الصدفة تصنع اللص والضرورة تصنع المستبدّ

الصدفة تصنع اللص والضرورة تصنع المستبدّ

بقلم ماهر الزعق

طبعا هذا عنوان لمراوغة بوليس 54، فالصدفة والضرورة صنفان لا يفترقان، المستبدّ كما اللصّ، كلاهما أبناء الضرورة والصدفة معا وفي آخر التحليل، المستبدّ هو لصّ كبير، هو من يسرق الحرية والكرامة والحياة، هو من يغلق النوافذ والأبواب، هو من يتحكّم في المصائر ومن يفتشّ في الضمائر، كلّ القمعيات تستعمل اللغة المُستترة وأكثر الأكاذيب زيفا تلك التي تستخدم الحقيقة للوصول إلى مآربها وليس هذا ما ينقص عندنا، بدءا من “الشعب يُريد” إلى “البناء والتشييد” مرورا بالتعويل على الذات والقطع مع صندوق النقد الدولي، مقاومة الفساد والذود على الأخلاق الحميدة، وضع حدّ للدروس الخصوصية، الدفاع عن السيادة الوطنية، الانحياز للطبقات الضعيفة ومحاربة التشغيل الهشّ، ربط علاقات مع الكيان الصهيوني هو خيانة عظمى… سيل جارف من الأكاذيب الحقيقيّة والحقائق الزائفة.
المشاورات مع صندوق النهب لم تتوقّف وإملاءاته تنفّذ بمكر واستغباء للشعب، ميزانية الدعم تراجعت بتخفيض المدعوم، كتلة الأجور انخفضت والانتداب في الوظيفة العمومية تقريبا تجمّدت، التفويت في القطاع العامّ يُطبخ على أكثر من نار، 8 آلاف حالة شغور في الإطار التربوي، سنة 2023 تمّ تسجيل 24 ألف حالة عنف في الفضاء المدرسي، كلّ عام 100 ألف حالة انقطاع عن التعليم قبل مرحلة التعليم الثانوي، الأساتذة النوّاب في وضع الاستعباد، امتيازات بالجملة للتعليم الخاصّ، أمّا خدم المستبدّ فلم يقلقهم شيئا سوى الدروس الخصوصيّة، وزرائه يلتقون رئيس الكيان ووزراءه وسيادته يُقبّل أكتاف الصهيوني ماكرون ولا يرفض تجريم التطبيع فحسب، بل هو يُجرّم تجريمه، ثم يتمادى في المخاتلة ويتحدّث عن الخيانة العظمى، التمسّك بالسيادة الوطنية والدفاع عن الطبقات المحرومة والتعويل على الذات يتناقض تماما مع سياسة الدولة، فالمديونية تفاقمت والتداين الداخلي فرصة لأصحاب البنوك وللعائلات النافذة لتسمين ثرواتهم الهائلة، ارتفاع الضرائب وتضاعف الفساد البنكي وازدهار التهريب، أزلام جدد وزبونيّة في الشركات الأهليّة والمجالس المحليّة، لا شيئ لعاملات الفلاحة ولا جديد في مسألة المناولة والتشغيل الهشّ، يتعاطى مع طوابير البؤس والعار والارتفاع الخرافي للأسعار بمنتهى الإهمال، قانون الشيكات الذي جاء ليُضخّم ثروات الكبار وليُلهب أطراف المستثمرين الصغار، الذود على الأخلاق الحميدة كلمة حقّ أريد بها باطل والأنكى من ذلك أنّه يُرصِّعها بالحديث عن المؤامرة الماسونية والحال أنّ السقوط الأخلاقي للسلطة مدويّ، فهي التي تحترف الكذب والظلم والعسف والابتزاز والافتراء وتشجّع على التلصّص والوشاية والتشفّي وتنشر الحمق والتفاهة والغباء والقتامة وتلوّح بإنشاء نظام الحسبة وتشكيل شرطة للأخلاق… يمكن أن نستمرّ إلى ما لا نهاية في تفنيد أكاذيب السلطة وفضح مغالطاتها واستثمارها لقضايا أساسية لتهميشها وإفراغها من مضامينها فذلك لا يحتاج إلى جهد كبير ولا إلى ذكاء استثنائي، وأخيرا وليس آخرا، زلزال سوريا، صدفة أخرى وفرصة أخرى للمغالطة وترويع الناس من عودة الإرهابين والترويج لمقولة الوحدة الوطنية والمقصود هنا، هو القبول بالاستبداد والالتفاف حول المستبدّ، يعني في الحدّ الأقصى “شِدّ مشُومك…”.
لقد كان الطغاة دائما ذوي أوهام ومن بلادة وقساوة الطغاة هو مطالبة المضطهدين والجياع بالهدوء والكياسة، ليتذكّر الجميع أنّ “الشعب يريد إسقاط النظام” هو الشعار الذي دوّى أيّام الثورة حتى رحيل الدكتاتور، لكن من تربّى في أحضان التجمّع المقبُور هو جزء من النظام، لذلك اكتفى “بالشعب يريد”، سينجلي الغيم، لن يتأخّر الأمر، ربّما سيُشلّ من الخوف والحقد وسيموت من الغرور والحَسد، المسألة ليست هنا، المسألة هي خطورة الشعور باللا جدوى وهبوط الحماسة، واجب المثقفين والإعلاميين أن يقفوا مع المقهورين والمخدوعين، أن يحوّلوا أقلامهم إلى مخالب وأن يُنعشوا ذاكرة الشعب، لأنّ شعبا يتذكّر جيّدا يفعل الكثير ولن يتخلّى عن حقّه في تقرير المصير.

إلى الأعلى
×