الرئيسية / صوت الوطن / قاضي التحقيق يستمع للمرّة الثانية للصحافي مراد الزغيدي ويؤجّل الاستنطاق إلى موعد غير محدّد
قاضي التحقيق يستمع للمرّة الثانية للصحافي مراد الزغيدي ويؤجّل الاستنطاق إلى موعد غير محدّد

قاضي التحقيق يستمع للمرّة الثانية للصحافي مراد الزغيدي ويؤجّل الاستنطاق إلى موعد غير محدّد

“صوت الشعب” تتابع تطوّرات القضيّة وتحاور شقيقته مريم

متابعة وحوار: سمير جراي

الليلة الفاصلة بين يومي السبت 11 والأحد 12 ماي 2024، كانت فاصلة وفارقة في حياة الصحافي مراد الزغيدي، فمنذ عودته إلى تونس قادما من فرنسا بعد العمل لسنوات في إحدى أشهر القنوات الفرنسية +CANAL لم يكن مراد يتخّيل لوهلة أنّ الوطن الذي خيّر العودة إليه لاستكمال مشواره الإعلامي المليئ بالنجاحات كأحد الكفاءات التونسية في الخارج سيفتح له باب السجن وبأيّ طريقة؟ بتهم أقل ما يقال عنها إنها عشوائية وواهية.
في تلك الليلة أوقفت النيابة العمومية مراد وزميله برهان بسيّس تزامنا مع عملية اقتحام عدد من القوات الأمنية الملثمة لمقرّ دار المحامي في العاصمة لإيقاف الإعلامية والمحامية سنية الدهماني، والاعتداء على الفريق الصحفي لقناة “فرانس 24”.

نقابة الصحفيين قالت حينها إنها ترفض ما أسمته “سطو النيابة العمومية على اختصاص حاكم التحقيق في التفتيش والحجز خارج حالة التلبس وفتح أبحاث في حق الزغيدي وبسيّس على معنى الفصل 24 من المرسوم 54 لسنة 2022 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال”.
وبعد سماع دام حوالي خمس ساعات بمقر فرقة مكافحة الإجرام بالقرجاني جرى الاحتفاظ بمراد الزغيدي ليحاكم ابتدائيا في شهر ماي 2024 بسنة سجنا من أجل “جريمة استعمال شبكة وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج وترويج وإرسال وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة بهدف الاعتداء على حقوق الغير والإضرار بالأمن العام”، و”جريمة استغلال أنظمة معلومات لإشاعة أخبار تتضمن نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعة والإضرار ماديا ومعنويا”.
أُودع مراد السجن على خلفية عدد من مقاطع تسجيل حصص إذاعية وتلفزية منها التي تعود إلى سنتي 2019 و2020، إضافة إلى تدوينات على شبكة التواصل الاجتماعي “فايسبوك”.
واستئنافيا أقرّت المحكمة في شهر جويلية 2024 إدانة مراد مع خفض العقوبة السجنية إلى 8 أشهر.
وقبيل انقضاء المحكومية وبينما كانت عائلة مراد والعائلة الصحفية والحقوقية تنتظر تنفسه للحرية من جديد تفاجأ الجميع بقرار قضائي جديد وإصدار بطاقتي إيداع بالسجن في حق مراد وبرهان من أجل ”شبهات تتعلق بغسيل وتبييض الأموال”.
جرى الاستماع إلى مراد يوم الثلاثاء 4 فيفري الجاري وتمّ تأجيل الاستماع إلى موعد آخر غير محدد.
ولمعرفة تطورات قضية مراد وحيثياتها وتعامل العائلة مع هذه المحنة حاورت “صوت الشعب” شقيقة مراد مريم الزغيدي لتؤكد لنا أن “اليوم (الثلاثاء) كانت الجلسة الثانية التي يستنطق فيها مراد من قبل قاضي التحقيق في قضية متعلقة بتبييض الأموال وجرى فيها مراجعة كل المعاملات المالية التي قام بها مراد منذ عودته من فرنسا سنة 2014 في عمله، أو مع عائلته أو أصدقائه”. وأضافت: “هذه التهمة أصبحت معتادة اليوم تقريبا في كل القضايا السياسية كوسيلة ضغط وتشويه”.
وبيّنت شقيقة مراد في إجابة عن سؤال “صوت الشعب” بخصوص رأي المحامين والعائلة عن محاولة إلصاق تهمة الفساد المالي بمراد بعد سجنه بسبب إبداء الرأي ولماذا تمّ إضافة هذه القضية بعد أن كان مقررا أن يخرج من سجنه؟: “كما قلت، نكاد نعتاد اليوم على مثل هذه القضايا فبعد السجن من أجل أداء واجبه الصحفي باحتراف وتفان، تأتي محاولات المسّ بالأعراض من خلال اختلاق قضايا أخلاقية والحال هو أنّ مراد تمتع من أول يوم إيقاف بتضامن كبير وبإجماع من كل الأطياف، حتى من مناصري النظام الحالي، وهو الشيء الذي يقلق ويحرج المنظومة من ناحية المصداقية والشرعية”، وأضافت الزغيدي: “أظن أنه كان ضروريا إضفاء شرعية لسجن مراد بإلصاق تهمة أخرى، دعني أقول إنها أقلّ نبلا من حرية التعبير، والحال أنّ هذه المحاولة باءت بالفشل فمراد بالرغم من كل “المجهودات” فهو يحظى بشعبية كبيرة ومساندة مطلقة من طرف منظمات المجتمع المدني وهنا أخص بالذكر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين”.
وعن معنويات مراد وحالته النفسية قالت شقيقته: “مراد منذ يوم 11 ماي 2024 إلى اليوم يحافظ على معنويات مرتفعة للغاية فهو بطبعه إنسان متفائل جدا، وهو صامد وشامخ والحقيقة أنّ لمراد ما يكفي من طاقة للتحليل السياسي الذي يجعل لديه قراءة ملمّة بالشأن العام وفهم ما يسلط عليه اليوم”، وواصلت: “حقيقة، لا أدري ولا أفهم إلى اليوم هذا التشفي الذي يمارس على مراد الذي كان دائم الاتزان في مواقفه ولم تعرف له أساليب استفزازية أو صاخبة في الخطاب. أرى فقط أنّ اليوم وفي الوضع الحالي، كل نفس حر، مهما كانت طريقته، يعتبر من طرف السلطة خطرا كبيرا عليها. ولا ننسى أننا في مناخ شيطنة النخب وكل من يفكر وكل من يملك قدرة على النقد الموضوعي”.
لا شك في أنّ محنة السجن لا تضاهيها محنة خاصة عندما يكون السجين مقتنعا ببراءته ويحاكم في مناخ سياسي مليء بالظلم والتشفي وتغيب فيه المحاكمات العادلة واستقلالية القضاء فيه محل طعن، وهذا ما ينعكس بالضرورة على أفراد العائلة، وعن عائلة الزغيدي التي عُرفت منذ ستينات القرن الماضي بنضالها الديمقراطي التقدمي ودفاعها عن الحقوق والحريات، كيف لا ومراد هو ابن صالح الزغيدي المناضل اليساري الوطني الديمقراطي الذي قدّم الكثير من النضالات النقابية والسياسية من أجل مجتمع حر وقضاء مستقل وعادل، والتزم لسنوات قبل وفاته بالدفاع عن الحريات السياسية والعامة والفردية وحقوق التونسيات والتونسيين في الحرية والديمقراطية، فضلا عن بقية أقارب مراد بدءا بجده المناضل الوطني جرج عدة وجدته ليلى عدة، وأعمامه يوسف وبوراوي والمنصف وحتى الجيل الذي يليهم أمثال أبناء عمه صبري وخليل ومريم (محدثتنا) ودنيا..
عن معايشة العائلة لهذه المحنة تقول مريم لـ”صوت الشعب”: “بالنسبة للعائلة فنحن نواجه الأمر بفخر وصمود فالكل يعلم في العائلة أن مراد مكانه الوحيد هو بين بناته وعائلته وحبيبته وأصدقائه. تعلمون جيدا أن مراد هو نتاج عائلتين مناضلتين من الأب ومن الأم، واجه أفرادهما المستعمر ثم نظام بورقيبة ثم بن علي وعرفتا السجون والتعذيب وكل أنواع المضايقات الأمنية، وللذكرى فإن مراد قضى 12 يوما في دهاليز وزارة الداخلية، وهو في بطن أمي في سادس شهر من حملها، فأكاد أقول أننا تعودنا ولكن مع ذلك ظننا بأن هذه الأيام وراءنا ولن تعود. وسنواصل ما بدأه سابقونا حتى نجعل مرة أخرى هذه الأيام وراءنا فكما أقولها دائما: نفس المناضلين والمناضلات أطول من تفس الحكام.”

إلى الأعلى
×