الناشط السياسي والخبير المحاسب هشام العجبوني لـ”صوت الشعب”: هذه الشركات هي مشروع فاشل، ومنافية لأيّ منطق اقتصادي سليم
متابعة وحوار: سمير جراي
على الرغم من أن دستور قيس سعيد (دستور 2022) لم يتطرّق إلى الشركات الأهلية التي تُعدّ ركيزة أساسية في مشروع البناء القاعدي الذي يسعى إلى تركيزه، إلا أنه خصص لها مرسوما خاصا قبل وضع دستوره، هو المرسوم عدد 15 لسنة 2022.
ضمّن قيس سعيد 97 فصلا في المرسوم الذي يبيّن الإجراءات والشروط والجوانب القانونية لتأسيس الشركات الأهلية، وعرّف القانون الشركات الأهلية بأنها “كلّ شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرّين بها”.
وبحسب هذه النظرية وما جاء في القانون (المرسوم) فإن الهدف هو “تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتهم”.
لو نظرنا إلى قانون المالية لسنة 2025 فإنه خصّص حزمة من الامتيازات المالية والضريبية لهذه الشركات مثل التمويل (بقيمة 20 مليون دينار بقروض ميسرة)، كما أعفاها المرسوم سالف الذكر من الضرائب لعقد كامل من الزمن، وتمتيع كل شركة أهلية بمبلغ 800 دينار كمنحة شهرية من الدولة.
ومكّن القانون (المرسوم عدد 15 لسنة 2022) هذه الشركات من “التصرّف في الأراضي الاشتراكية مع مراعاة التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية بناء على قرار مجلس التصرف”.
ومن أجل تمتيع الشركات الأهلية بأولوية استغلال هذه الأراضي تسعى الوزارات المعنية إلى تنقيح قانون الأراضي الدولية لتجاوز جميع العقبات في هذا الشأن.
كاتبة الدولة المكلفة بالشركات الأهلية: الشركات الأهلية تتمتع بامتيازات جبائية كثيرة تضمن استدامتها
في آخر تصريحاتها عن الشركات الأهلية قالت كاتبة الدولة المكلفة بالشركات الأهلية حسنة جيب الله لإذاعة موزايبك، على هامش إشرافها على ملتقى جهوي للشّركات الأهليّة بولاية تطاوين، الثلاثاء 18 فيفري، إن الشركات الأهلية “جنّة جبائية” في نظر عدد من الاقتصاديين باعتبار ما تتمتع به من امتيازات جبائية.
وأشارت حسب ما نقلت إذاعة موزاييك إلى أنّ باب التمويل مفتوح للشركات الأهلية حاليا عبر 6 بنوك مع ترشح 5 بنوك ليرتفع عدد البنوك الممولة للشركات إجمالا إلى 11 بنكا، كما بيّنت أنّ سقف التمويل للشركات عبر الصندوق الوطني للتشغيل حاليا 300 ألف دينار وسيرتفع قريبا إلى 1 مليون دينار.
وسبق لجيب الله أن قالت، الاثنين الماضي، “إنّ الشركات الأهلية تتمتع بامتيازات جبائية كثيرة تضمن استدامتها”، وخلال زيارة عمل أدّتها إلى ولاية قابس، قالت كاتبة الدولة للصحافيين: “إن جهة قابس تعتبر من الأقطاب الاقتصادية الكبرى ويمكن أن تكون بنك أفكار على المستوى الوطني لإحداث شركات أهلية في كل المجالات ومن بينها المجال البيئي.”
وبخصوص العراقيل التي تواجه الشركات الأهلية، أوضحت كاتبة الدولة أنها مختلفة وأهمّها مناخ الاستثمار الصعب، كما أنّ خصوصيات الشركة استوجبت تنقيح عدد من القوانين على غرار القانون 21 لسنة 1995 المتعلق بملك الدولة الفلاحي، ومشروع تنقيح قانون النقل البرّي ومحطاته وقانون اللزمات وقانون الأراضي الاشتراكية. بحسب نفس التصريح لإذاعة موزاييك الثلاثاء.
العجبوني: هناك مناخ عام من الضغوطات على البنوك بطريقة غير مباشرة لتمويل الشركات الأهلية
عن هذه الامتيازات المالية والجبائية يقول الناشط السياسي المعارض والقيادي في حزب التيار الديمقراطي والخبير المحاسب هشام العجبوني لـ”صوت الشعب” إنه لا يعلم يقينا بوجود ضغوطات سياسية على البنوك لتمويل الشركات الأهلية، وأردف: “القانون المنقّح لقانون الشيكات فيه دعوة للبنوك لتخصيص 8% من أرباحها لتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة وربما سيكون جزءا منها للشركات الأهلية، وعمليا فإنّ البنوك تمّول الشركات الأهلية من خلال تلك المبالغ، كما أن تعيين كاتبة دولة معنية بهذه الشركات وتحركات بعض الوزراء يؤكد وجود مناخ عام من الضغوطات على البنوك بطريقة غير مباشرة، كذلك الاهتمام المبالغ فيه من قبل رئيس الدولة واتهاماته المبنية للمجهول بتعطيل هذا المشروع يوحي بوجود ضغوطات معينة”.
وعن فاعلية هذه الشركات من ناحية اقتصادي يقول الخبير المحاسب لـ”صوت الشعب”: هذه الشركات ومن خلال المرسوم المحدث لها هي مشروع فاشل على جميع الأصعدة، ومنافية لأيّ منطق اقتصادي سليم” بحسب تعبيره.
وعن التمييز في التمويل لصالح الشركات الأهلية يقول العجبوني: “لا يجب أن يحدث تمييز لصالح هذه الشركات على حساب الشركات الصغرى والمتوسطة والتي تمثل النسيج الاقتصادي الأساسي بوجود أكثر من 800 ألف شركة أغلبها متوسطة وصغيرة وبالتالي هذا التمييز أو الحيلة لفائدة شركات الأهلية والتركيز عليها فقط لأنها مشروع الرئيس لا يمكن أن يخرج تونس من أزمتها الاقتصادية”.
كما بيّن محدثنا أنّ “الشركات الأهلية هي من المفروض جزء من الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي ينظمه قانون جوان 2020 الذي حضي بتوافق كبير بين الأحزاب والمجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل، كما سبقه حواره مجتمعي حقيقي بين كل الفاعلين الاقتصاديين، ولكن للأسف جرى إصدار قانون هذه الشركات بطريقة مسقطة وفرضت على الدولة”، على حد قوله.
وتابع هشام العجبوني حديثه مع “صوت الشعب” بالقول: “إن الاقتصاد التضامني في أقوى الدول التي تعتمد عليه لا يمثل في أقصى الحالات إلا 10% من الناتج الداخلي الخام أمّا في تونس فسيكون أقل بكثير من هذه النسبة وبالتالي لا يمكن أن يكون هو الحل السحري لتمويل الاقتصاد التونسي”.
العجبوني: أخشى ما أخشاه أن يحاسب قيس سعيد بتهمة إهدار المال العام إذا سقط نظامه أو خسر الانتخابات المقبلة
وقبل أن يختم حديثه عبر العجبوني عن خشيته من أنّ قيس سعيد قد يحاسب بتهمة إهدار المال العام إذا سقط نظامه أو خسر الانتخابات المقبلة، بحسب وصفه.
وختم حديثه بالإشارة إلى أنّ “هذا التمييز للشركات الأهلية سيحرم الاقتصاد الحقيقي المعتمد على الشركات الصغرى والمتوسطة من نسبة من التمويل خاصة وأنّ أزماتها تفاقمت بعد أزمة “كوفيد 19” والحال أن تونس الوحيدة ضمن محيطها الإقليمي التي لم تسترجع منذ 2019 نسب الناتج الداخلي الخام”، والحل بحسب رأيه هو الاعتماد كما كافة الدول على اقتصاد القيمة المضافة العالية وليس هذا النوع من الشركات التضامنية.
وكانت كاتبة الدولة المكلفة بالشركات الأهلية، قد أعلنت في 11 فيفري الجاري أنّ عدد الشركات الأهلية التي استكملت إجراءاتها القانونية بالكامل بلغ 145 شركة، وأضافت، في تصريح للإذاعة الوطنية على هامش الملتقى الجهوي حول الشركات الأهلية، أنّ 160 شركة أخرى مازالت غير مرسمة بالسجل الوطني للمؤسسات، إذ يكتفي أصحابها بالحصول على معرّف جبائي معتبرين ذلك بمثابة الإحداث القانوني.