الرئيسية / صوت المرأة / في تحرير النّساء…
في تحرير النّساء…

في تحرير النّساء…

بقلم حمّه الهمّامي

بمناسبة 8 مارس، اليوم العالمي للنّساء، صدر مؤلّف جديد للرّفيق حمّه الهمّامي بعنوان: “إلى الحرية… إلى السّماء نساءَ تونس”. وقد اخترنا منه هذه الفقرات المنتقاة من نصّ: “الفاشية الشعبوية عدوّة النساء” وفيها يخلص الكاتب، بعد تحليل أوضاع نساء تونس في كافة المستويات، إلى بعض الخلاصات والأهداف.

إنّ تحرير النّساء بالنسبة إلينا يعني إخراجهنّ من هذا الوضع المزري الذي عرضناه في الفقرات السابقة والارتقاء بهنّ إلى درجة الإنسان والكفّ عن استعبادهنّ ومعاملتهنّ معاملة وحشية. وهو يعني بالضرورة معاملتهنّ كمواطنات كاملات الحقوق، دون حيف أو نقصان، “فلا حقوق للنساء ولا مساواة تامة، دون ثورة تشريعية تضع حدّا لكافّة مظاهر التّمييز ودون إعادة تنظيم الدولة على أسس ديمقراطية تسمح للنساء بالتمتع بكامل حقوقهنّ المدنيّة والسياسيّة وبالمشاركة في إدارة الدولة على قدم المساواة مع الرجال. ولا تحرّر للنساء أيضا دون إعادة تنظيم الاقتصاد اليوم على أسس جديدة، وطنيّة ديمقراطية شعبية وعصرية، تضع رافضة كلّ أشكال الاستعباد بما فيه الاستعباد الجنسي. ووقتها ووقتها فقط يمكننا أن نفكّر في إمكانيّة القول أيضا إنّنا وضعنا الحجر الأساس لوجود “رجل جديد” حرّ. متحرّر من ثقافة الذّكورية المقيتة، ينظر إلى المرأة، أمّا أو زوجة أو أختا أو بنتا أو رفيقة في العمل، باعتبارها مساوية له حدّا لسيطرة الرجعية المحلية والشركات والمؤسسات والدول الأجنبية على مقدّرات البلاد كي تصبح ملكا للمنتجين ممّا يسمح بإدماج النساء في الدورة الإنتاجيّة وبتحسين ظروف عيشهنّ وعيش كافة أبناء الطبقات والفئات الكادحة، وتوفير الخدمات الضرورية لهن كأمهات أثناء الحمل وبعده، ما تعلق بالصحة والتوليد والعلاج أو بمحاضن ورياض الأطفال الخ…” وقتها ووقتها فقط يمكننا أن نفكّر في إمكانيّة القول إنّنا وضعنا الحجر الأساس لوجود “امرأة جديدة” حرّة، متحرّرة، تتمتّع باستقلاليّتها الاقتصاديّة التي تخلّصها من كلّ تبعيّة تجعلها تقبل الهوان والمذلّة في حياتها خوفا من الفقر والبؤس، متوازنة في حياتها وعيشها، واعية، في الإنسانيّة لا مجرّد صيد صالح للمتعة والاستعباد المنزلي.
ونحن إذ نقول “وقتها يمكننا أن نفكّر” في أنّنا وضعنا “الحجر الأساس” فلقناعتنا بأنّ مسار تحرير النّساء طويل ولا يتوّقف عند حدّ إنجاز ثورة ضدّ الرّجعيّة الحاكمة. فما من شكّ في أنّ الثّورة شرط ضروريّ لتحرير النّساء من الاستعباد الذكوريّ لأنّها تخلق الظّروف المادّية والسّياسيّة للقيام بذلك لكنّها غير كافية لأنّ تحقيق هذا التّحرير وتحويله إلى واقع فعليّ لن يتمّ بشكل تلقائيّ أي بمجرّد إسقاط الرجعية وتركيز نظام الديمقراطيّة الشعبية أو حتّى الاشتراكيّة، وإنّما سيتطلّب عملا دؤوبا بعد الثّورة يتمّ خلاله اتّخاذ حزمة من الإجراءات ذات الطّابع الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسّياسيّ والثّقافيّ الخاصّة بالنّساء تحديدا والتي من شأنها أن تضع مع الوقت حدّا لذلك الاستعباد الضّارب في الماضي والذي لن يزول من تلقاء نفسه. إنّ الرّجال سيحتاجون في خضمّ هذه الإجراءات الثوريّة إلى تربية جديدة إلى عمليّة تحوّل صعبة ومعقّدة في نمط تفكيرهم وسلوكهم، حتّى يتحرّروا من رواسب الماضي بأفكاره وتقاليده وممارساته الذكوريّة الرّجعيّة. كما أنّ النّساء سيحتجن هنّ أيضا إلى وقت لكي يتحرّرن من ثقافة العبوديّة التي عانين منها دهورا. وبشكل أوضح لن ينجح العمّال والكادحون والفقراء من الجنسين من إقامة المجتمع الجديد الذي يطمحون إليه دون تخليص أنفسهم من كلّ الحماقات التي يحملونها عن أنفسهم وعن علاقات بعضهم ببعض والتي رسّخها في أذهانهم مستغِلّوهم ومضطهِدوهم عبر التّاريخ لتأبيد أوضاعهم المزرية وضمان تبعيّتهم لهم.
إنّ الطريق نحو التّحرر يبدأ من هذه اللحظة. وهو ليس في قطيعة مع الماضي. فنساء تونس اللواتي تعلّمن وافتككن المراكز الأولى في نتائج الامتحانات الوطنية وغزون سوق الشغل وأصبحن أغلبيّة في بعض القطاعات وأظهرن من الكفاءة ما يفنّد كل الأفكار الرجعية حولهنّ، راكمن نضالات عديدة في مختلف المجالات السياسيّة والنقابيّة والمدنيّة مكنتهنّ من افتكاك بعض المكاسب. ولم يكنّ وحدهنّ في هذه النضالات بل كان إلى جانبهنّ رجال عديدون يؤمنون بألّا تحرّر لتونس دون تحرّر نسائها وألّا ديمقراطيّة في تونس دون أن يكون النساء جزءً منها وألّا عدالة اجتماعية في تونس دون أن يشارك النساء في تحقيقها ويتمتّعن بثمرتها. والمطلوب اليوم هو مواصلة السّير نحو تحقيق التّحرّر الكامل حتّى لا تبقى المرأة عبدة رغبات زوجها الجنسيّة ومجرّد أداة لإنتاج الأطفال والقيام بالشؤون المنزليّة داخل الأسرة وعبدة استغلال “عَرْفها” في مركز عملها في المدينة أو الريف فلا عبوديّة في المنزل ولا عبوديّة خارجه. إنّ العائق الذي يقف اليوم أمام هذا التحرّر هو بلا شكّ نظام الاستبداد، الشّعبويّ، الفاشستيّ، الذي يحاول الالتفاف على مكاسبهنّ كما بيّنا أعلاه ويعطّل سيرهنّ نحو تحقيق أهدافهنّ وهو ما يتضمّن تكتيل القوى للتخلّص منه. إنّ نساء تونس مطالبات بالدّفاع عن هذه المكاسب وتطويرها وتضمينها في لائحة مطلبيّة عامّة تكون مرشدا للحركة ككلّ. ويمكن أن تتضمّن هذه اللائحة مجموعة المطالب التالية التي نطرحها للنقاش:

  • إلغاء كافة مظاهر التمييز في التشريعات التونسية وجعل المساواة بين الجنسين مبدأ دستوريّا ثابتا.
  • توفير الظروف المادية والمعنوية اللاّزمة لتأسيس الزواج على مبدأ الاختيار الحر القائم على المحبّة والاحترام المتبادل.
  • توفير عوامل استقرار العائلة والحد من ظاهرة الطلاق والخصومات الزوجية بتأمين ظروف العيش الكريم لكافة أفراد الشعب التونسي.
  • إقرار مبدأ الإدارة المشتركة للعائلة مع ما يتبع ذلك من مساواة في الولاية على الأطفال وفي الإرث وفي اختيار مقر سكنى العائلة ولقبها.
  • الاعتراف بالأمومة وظيفة اجتماعية تتكفّل الدولة بنفقاتها خلال فترة الحمل وعند الوضع وبعده ومنح المرأة في القطاعين العام والخاص عطلة لمدة 6 أشهر خالصة الأجر منها شهر قبل الولادة وخمسة أشهر على الأقلّ بعدها مع إقرار إجازة أبوّة لا تقلّ في الوقت الحالي عن شهرين مدفوعي الأجر مباشرة بعد ولادة الزوجة.
  • اتّباع سياسة أسريّة تشجّع على تحمّل الزّوجين أعباء شؤون العائلة في المنزل وخارجه.
  • تكفّل الدولة والمؤسّسات الاقتصاديّة بتوفير المحاضن ورياض الأطفال.
  • احترام حقوق الطفل صلب العائلة والمجتمع: صيانة حرمته الجسدية والمعنوية وحقّه في العيش بأمان مع والديه وممارسة كافة الأنشطة التي تنمّي مواهبه.
  • المساواة في الشغل مع اتّباع سياسة التّمييز الإيجابي القائمة على مبدأ الكفاءة ودون الإخلال بها لتحقيق المساواة في تولّي الخطط الوظيفية والوصول إلى مواقع القرار.
  • المساواة في الأجور بين الجنسين على أساس مبدأ: نفس العمل، نفس الأجر.
  • توفير التغطية الاجتماعية لكافة العاملات وفي مقدمتهنّ العاملات الفلاحيات.
  • توفير وسائل النّقل التي تؤمّن نقل العاملات الفلاحيّات تكريسا للقانون 51 لسنة 2019 والتسريع بتنفيذه.
  • اتّخاذ إجراءات خاصة ومستعجلة لنقل الفتيات/التلميذات الرّيفيّات اللواتي يواجهن صعوبات في التنقل والسكن.
  • تطوير التكوين المهني الموجّه إلى الفتيات والنّساء لتأهيلينّ للعمل.
  • توفير المحاضن وتأمين توقيت الرّضاعة للعاملات في القطاعين الصّناعي والفلاحي.
  • اتّخاذ إجراءات اجتماعيّة لمقاومة التسوّل ومظاهر التّهميش والإملاق في صفوف النّساء وبالخصوص في العاصمة والمدن الكبرى (جمع القوارير، تفتيش القمامات عن بقايا الأطعمة أو الأثاث).
  • منع تشغيل النّساء في الأعمال الليليّة التي من شأنها إلحاق الضّرر بصحّتهنّ والتّأثير في حملهنّ.
  • إقرار المساواة في تولّي كافة الوظائف العامة والعمل على تكريس مبدأ التناصف في الهيئات التمثيلية المنتخبة انتخابا ديمقراطيا.
  • صيانة كرامة المرأة:
    • إلغاء كافة مظاهر التمييز ومنع الصور المهينة للمرأة في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام والمنتوجات الثقافية والنضال بشكل عام ضدّ الأفكار والعادات والتقاليد التي تؤبّد استعباد النساء.
    • ضبط الآليات الضرورية لتطبيق القانون 58 الخاص بمقاومة العنف ضدّ النّساء.
  • مقاومة شبكات الاتّجار بالنّساء وإلغاء تقنين البغاء بصورة نهائيّة.

تونس، في 28 فيفري 2025

إلى الأعلى
×