منطقة الساحل الإفريقي تعيش مخاضا ثوريا، وموقعنا هو في قلب النضال الشعبي التحرري
حاوره علي الجلولي
تعرف منطقة الساحل الإفريقي في السنتين الأخيرتين جملة من الأحداث المتتالية التي خلقت وضعا جديدا في هذه المنطقة التي ظلت لقرون فضاء للهيمنة الاستعمارية والاستعمارية الجديدة. لقد نهضت شعوب المنطقة للنضال ضد الهيمنة والسيطرة الامبريالية وخاصة الفرنسية التي ظلت تتعاطى مع هذه البلدان باعتبارها مجرد ملحقات بالمركز الرأسمالي الاحتكاري الفرنسي من خلال تأبيد كل أشكال التبعية بما في ذلك استعمال “الفرنك” (franc CFA) العملة الموروثة من الحقبة الاستعمارية الفرنسية. لكن انتفاضات الشعوب لم تفض إلى قلب الأنظمة التابعة وتعويضها بأنظمة وطنية شعبية لأسباب متداخلة ذاتية وموضوعية ممّا سهّل على العسكر ركوب الموجة الثورية وتنظيم انقلابات في عديد الأقطار (النيجر، مالي، بوركينا فاسو…) واتخاذ جملة من الإجراءات ضد الهيمنة الفرنسية بما في ذلك إغلاق القواعد العسكرية وإلغاء عديد الاتفاقيات الاقتصادية فضلا عن بعث اتحاد جديد لهذه البلدان واتخاذ عديد الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي تسهّل المواجهة المشتركة للأوضاع المستجدة.
ولئن جذبت هذه التحوّلات انتباه الثوريين ومناهضي الامبريالية من كل العالم، إلا أنّ أسئلة مشروعة تطرح لفهم ما يجري في المنطقة التي ما تزال فضاء لصراع ضار بين مختلف القوى الامبريالية في العالم. ولئن تتفق كل القوى الثورية على الانحياز إلى الشعوب وإلى تطلعاتها العادلة، فإنّ كيفية التعاطي مع هذه المسارات التي يقودها اليوم العسكر تطرح أكثر من إشكال وخلاف سواء من جهة المساندة وحجمها وطبيعتها، أو من جهة التعاطي مع آفاق تطور الأوضاع من جهة تحقيق مطالب الشعب ومن بينها الحرية السياسية كسلاح ضروري لا تنازل عنه كي ينتظم الشعب للدفاع عن مصالحه التي يجب أن يقودها بنفسه لا عبر أجهزة الدولة القائمة التي قامت الانتفاضات ضدها وضد خياراتها وسياسات الطبقات اللاوطنية التي تمثلها، وفي أفق التحرر الكامل من كلّ أشكال الهيمنة الخارجية مهما كان غلافها لا أن يقع في تعويض هيمنة قديمة بهيمنة جديدة تمثلها اليوم القوى الصاعدة في القارة وخاصة روسيا والصين وتركيا.
في هذا السياق نحاور الرفيق فيليب نودجينومي الأمين العام للحزب الشيوعي بالبنين، هذا الحزب الشقيق الذي يساهم في قيادة النضال المتصاعد في البنين وفي المنطقة من أجل التحرر والانعتاق، وذلك رغم الخلاف الواضح معه في بعض الأفكار مثل أهمية الحرية السياسية في المعارك الوطنية لشعوب المنطقة اليوم والموقف من الهيمنة الجديدة الزاحفة الآن على المنطقة وخاصة من قبل روسيا والصين.
الرفيق فيليب، تمرّ منطقة الساحل بفترة من التغييرات السياسية التي تمثلت أساسا في وصول العسكر إلى السلطة في عدة دول في المنطقة وإلغاء عدة اتفاقيات عسكرية واقتصادية. كيف ترى هذه التغييرات؟
تشهد منطقة الساحل منذ فترة من الزمن تغيرات سياسية في منطقة الساحل الإفريقي، تميزت بوصول الجيش إلى السلطة. وتثير هذه الأحداث مجموعة متنوعة من ردود الفعل، لا سيّما داخل ما يعرف باليسار الثوري الكلاسيكي في أفريقيا.
يجب النظر إلى هذه التغيرات السياسية في سياق سياسي محدد. فهذه المنطقة لا تزال مجالًا مغلقًا للهيمنة الاستعمارية من قبل الإمبريالية الفرنسية التي لا يوجد لها مثيل في العالم. لا تزال المستعمرات الفرنسية السابقة مستعمرة فعلا، وهي دول مستقلة بالاسم فقط. بعبارة أخرى، ما حدث في ستينيات القرن الماضي كان مهزلة وخدعة لخداع الرأي العام العالمي. باختصار، لا تزال هذه الدول مستعمرات. وقد تحقق ذلك عن طريق اتفاقيات ترقى في مجموعها إلى “ميثاق استعماري”: اتفاقيات الدفاع مع وجود القوات الفرنسية والاتفاقيات النقدية والحفاظ على العملة الاستعمارية لفرنسا واللغة الفرنسية المفروضة كلغة حصرية واتفاقيات التعدين والإنتاج الزراعي، وكلها تحت الملكية الحصرية لفرنسا. إنّ مثال اليورانيوم المستخرج من النيجر، الذي اشترته شركة AREVA- ORANO الفرنسية لسنوات بسعر 4000 فرنك أفريقي، أو 6 يورو للكيلو الواحد، في حين أنّ اليورانيوم نفسه كان يباع بـ 32000 فرنك أفريقي في الوقت نفسه في كندا أو في أماكن أخرى، موجود أمام الجميع. يجب أن نضع حدًا لهذا النظام.
إنّ العائق الأول الذي كان يجب كسره في العملية الثورية في هذه البلدان هو الاتفاقيات التي يجب إلغاؤها. وهذا ما تفعله السلطات القائمة اليوم في هذه البلدان: إلغاء الاتفاقيات الاستعمارية، وطرد القواعد العسكرية الفرنسية والأمريكية، وإعلان السيادة على الموارد التعدينية والزراعية، وما إلى ذلك… إنها ثورة وطنية، ثورة ضد الميثاق الاستعماري الفرنسي، أو استكمال إنهاء الاستعمار الذي من المفروض أنه تمّ منذ الستينيات.
وصول الجيش إلى السلطة بعد انتفاضات شعبية ضد الهيمنة الخارجية والفقر. هل يمكن للعسكر أن ينجحوا في السيرورات الثورية؟ ألا تخشى سرقة مكتسبات الشعب مثل إلغاء الحريات أو التحوّل من الهيمنة الفرنسية إلى الهيمنة الروسية والصينية؟
نعم، وصل الجيش إلى السلطة في ظل الظروف التالية:
- النضالات الشعبية ضد الجوع والفقر المدقع
- النضالات ضد فرنسا الاستعمارية التي لم تكن سببًا في انتشار الفقر المدقع فحسب، بل كانت أيضًا سببًا في الحرب التي ضربت الشعب تحت ستار مقاومة الإرهاب.
هل يمكن للجيش أن ينجح في هذه السيرورة الثورية؟
الجواب هو لا. لا يمكنهم النجاح كمؤسسة. لأنّ الجيش هو أداة لطبقة معينة في السلطة. وكأداة سياسية، لا يمكنه أن يخدم سوى الشعب أو الطبقة البرجوازية الموالية للإمبريالية في السلطة. الجيش في بلدان الساحل الواقعة تحت الهيمنة الفرنسية هو أداة في خدمة السياسة الفرنسية وعملائها في السلطة. لكن دعونا لا ننسى أنّ الجيش يمكن أن يكون أداة في إطلاق عملية ثورية عندما تكون الثورة ناضجة موضوعيا وفي غياب قوى ثورية منظمة.
ففي هذه البلدان الثلاثة التي تخوض حرب تحرير ضد الإمبريالية الفرنسية، يثور هؤلاء الضباط ضد الحكومات التي تعتبر متواطئة مع الإرهابيين وبالتالي مسؤولة عن الوفايات التي تحدث داخل الجيش.
كما أنّ جميع الإجراءات التي تتّخذها المؤسسة العسكرية حاليًا تحظى بدعم ساحق من الشعب. لا يمكن أن ينجحوا حقًا إلا إذا واصلوا الإنصات إلى شعوبهم وتحويل سلطتهم إلى سلطة فعلية للشعب.
ونظرً للقيود الموضوعية التي تواجهها هذه القوى، فإنها لن تتمكن من النجاح ما لم تسيطر القوى الثورية على السيرورات الثورية الجارية.
أمّا فيما يتعلق بالحريات، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو أين يجب أن تعطى الأولوية، في فترة حرب وطنية، للحريات وما يسمى بحقوق الإنسان التي لا تخدم سوى العدو الإمبريالي أم للدفاع عن الوطن أولاً وقبل كل شيء. هذا هو السؤال الحقيقي. أمّا فيما يتعلق بمسألة الهيمنة الصينية أو الروسية، فإنّ المشكلة لا يمكن إثارتها في زمن الحرب، بل بعد انتهاء الحرب وتحقيق النصر. إنّ كل الذين يتحدثون في الوقت الحاضر عن هذه المسألة بينما الحرب ضد فرنسا الاستعمارية لا تزال مستمرة، إنما هم يقفون موضوعيا في صف الإمبرياليين الفرنسيين.
استضافت النيجر مؤتمراً عالمياً للتضامن مع عملية التغيير في النيجر. لماذا هذا المؤتمر وما هي خصوصيات العملية في النيجر وما هي الآفاق في هذا البلد؟
في ضوء التجربة الجارية في منطقة الساحل الإفريقي، قررت القوى الثورية والوطنية المنظمة، تحت قيادة منظمة “الأفريقانية اليوم” (PAT) ومنظمة شعوب غرب إفريقيا (WAPO)، أن:
تعرّف العالم بالتجربة الثورية في منطقة الساحل الإفريقي من خلال تنظيم مؤتمر دولي مناهض للإمبريالية لدعم شعوب الساحل.
لتوفير التضامن مع هذه السيرورات لمساعدتها على الاستمرار والانتصار.
للتعرف على مستوى التزام الشعب بالعملية.
وهذا ما حدث في نيامي في الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر 2024.
وقد تمّ اختيار النيجر، ليس بسبب استبعاد الدول الأخرى، حيث أنّ المؤتمر يدعم البلدان الثلاثة جميعًا، ولكن لأنه كانت هناك حاجة إلى بلد لاستضافة الحدث. ولا بد من القول إنّ الأهداف قد تحققت وتأكدنا من التزام الشعب بدعم السلطة العسكرية.
تواجه منطقة الساحل والصحراء تحديات متجددة من الإرهاب الذي تستغله الإمبريالية للحفاظ على هيمنتها. ما هو دور القوى الثورية في المنطقة وفي القارة السمراء؟
إنّ العديد من القوى الثورية الكلاسيكية والمعروفة في هذه البلدان هي اليوم، من خلال سوء التحليل والتكتيك، خارج العمليات بل ويمكن القول إنها سقطت في الرجعية. وتظهر قوى ثورية جديدة للمشاركة في العملية. نحن بحاجة إلى مساعدتها على تنظيم نفسها بطريقة مستقلة عن القوى العسكرية القائمة، حتى تتمكن من مواصلة النضال في حالة تخلي أو خيانة العسكريين في السلطة.
أمّا خارج منطقة الساحل، فيجب على القوى الثورية المناهضة للإمبريالية أن تنظم نفسها حتى لا تسمح للثورة الوطنية والمناهضة للإمبريالية بأن يقودها العسكر، ومن أجل الوصول بهذه الثورة إلى خاتمة ناجحة.
ما هو تأثير الوضع الإقليمي على البنين؟ ما هي الإجراءات التي يتخذها حزبكم لتنظيم الجماهير؟
الجواب: إنّ البنين متورطة بالكامل في الحرب التي تشنها فرنسا الاستعمارية من خلال الإرهابيين. منذ أن انسحبت القوات الفرنسية إلى بلادنا، وهي تتمركز في مواجهة دول تحالف بلدان الساحل. هدفنا هو حملهم على مغادرة أراضينا. ونحن نقوم بتعبئة الشعب لتحقيق هذه الغاية.