حاورته أماني ذويب
إثر الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تعرّضت إليها فرنسا والتي أسفرت عن مقتل 8 صحافيين و4 رسامي كاريكاتور، إلى جانب اعتقال ورهن مجموعة من المواطنين وقتل 4 من بينهم شرطية.
قال المحلّل السياسي ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجنيف رياض الصيداوي، إن سياسة فرنسا الخارجية التوسّعية أدّت إلى كارثة ورّطتها في ملفات دولية، جعلتها تدفع الثمن.
وحول أسباب الهجمات الإرهابية على فرنسا وطرق مكافحة الإرهاب، كان لنا معه الحوار التالي.
ما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الأحداث الإرهابية التي ضربت فرنسا وأودت بحياة صحافيي شارلي إيبدو؟
ما حدث بفرنسا هو حلقة من حلقات الإرهاب، ففرنسا عاشت الإرهاب في التسعينات بانتقال أحداث الجزائر إليها وعاشته مؤخرا أيضا. من النّاحية الأخلاقيّة يجب إدانة الهجوم الذي حصل، لكن يجب أيضا طرح الأسئلة العميقة، فلماذا لا يتم استهداف بلدان مثل سويسرا أو النمسا مثلا؟؟ والأسباب يمكن تصنيفها هنا إلى داخلية وأخرى خارجية.
تتمثّل الأسباب الداخلية في عدم إدماج الدولة الفرنسية للشباب المغاربي واعتماد سياسة «القيتو»، ففي سويسرا مثلا يُمنع الفصل بين مختلف الجنسيات أو إقامة أحياء على أساس قومي، فهذه السياسة أدّت إلى فشل العديد من الشباب دراسيا، فقد وجد نفسه منبوذا إلى جانب تراكم العنصرية وصعود اليمين المتطرّف مع انخفاض المستوى التعليمي، ووجود هؤلاء هو نتيجة لهجرة العمالة (للاستفادة من يد عاملة رخيصة)، وهم يعيشون في أحياء قصديرية، وتُطبّق عليهم سياسة «القيتو»، أي عدم إدماجهم ومحاولة فصلهم عن المجتمع الفرنسي.
أمّا الأسباب الخارجية، فمعروف أن فرنسا مع ديقول وشيراك، انتهجت سياسة عدم التدخّل في شأن الدول العربية، لكن مع صعود ساركوزي لاحظنا أن هناك حنين إلى الدوائر الاستعمارية، فقد رأينا بداية التدخّل في ليبيا، وما حدث ليس دفاعا عن الديمقراطية، بل هو إرهاب، فتورّطت فرنسا في التعامل مع المتطرّفين، ووجدت نفسها بعد ذلك تدقّ طبول الحرب.
وكذلك اختارت فرنسا اللائكية التّحالف مع السعودية وقطر الوهابيتان، ضد سوريا العلمانية، فحوالي 3000 جهادي فرنسي ذهبوا إلى سوريا وأجهزة المخابرات الفرنسية تغضّ الطرف، الآن انقلب السّحر على الساحر، ومن استخدم ورقة الإرهاب سابقا اكتوى بنارها اليوم، وهناك العديد من السّياسيين الفرنسيين على غرار «جون بيار شوفانمون» و»دومينيك فالبان» قدّموا رؤى مختلفة على المعزوفة الفرنسية السياسية المتناغمة.
وهنا نقول إن سياسة فرنسا الخارجية التوسّعية قد أدّت إلى كارثة ورّطتها في ملفات دولية، وجعلتها تدفع الثمن.
كتبت أكثر من مرة أنّ الإرهاب صناعة استخباراتية وليس ظاهرة تولد طبيعيا من رحم المجتمعات؟ كيف ذلك؟
الإرهاب هو مجال السريّة المطلقة، وبالتالي هناك إمكانية كبيرة في أن يكون على علاقة مع أجهزة الاستخبارات، وهنا يُطرح التساؤل، هل أن الإرهاب له مشروع سياسي عقلاني أم أنه حالة نفسية مرضية؟ وهنا يمكن القول إن الإرهابي الذي يقتل، يكون في حالة ذهنية مرضية، أمّا من يوظّفه فله مشروع سياسي عقلاني يأخذ بعين الاعتبار هذه السيولة الهائلة التي يتمّ ضخّها لرعاية الإرهاب، وغالبا ما يخرج الإرهاب عمن خطّط له، وينقلب السّحر على السّاحر ولنا مثال في ذلك تنظيم القاعدة وأمريكا، لأن الخلايا الإرهابية هي خلايا صغيرة وعنقودية، لذلك لا يخضع بعضها لاستراتيجية المموّل.
أما الفكر الذي يغذّي الإرهاب فهو الفكر الوهابي الذي يُكفّر الآخر ولا يقبل أي شكل من أشكال التعايش، كما أن ذوي هذا الفكر يمتلكون عائدات نفط كبيرة تجعله قوّة ضاربة.
تونس أيضا اكتوت في الأربع سنوات الأخيرة من الإرهاب، فماهي مقوّمات الاستراتيجيا الناجعة لمكافحته؟
انطلق الإرهاب في المنطقة العربيّة في العراق منذ سقوط صدّام حسين، ثم في ليبيا عبر الناتو، والتي تحوّلت بدورها إلى بؤرة للإرهاب، فسوريا التي تمّ ضربها وجعلها على الحالة التي عليها اليوم، وقد طالت أيادي الإرهابيين تونس أيضا في الأربع سنوات الأخيرة، والاستراتيجيا الناجعة لمقاومة الإرهاب، تكون بالتركيز على أربعة عوامل وهي:
– تدفّق السّلاح
– انتشار الإعلام المحرّض على الإرهاب
– تفكيك جهاز المخابرات التونسي القديم دون خلق اليات عمل بديلة
– الشباب التونسي الذي تم تسفيره للجهاد (قرابة 13 ألفا بين العراق وسوريا وليبيا)، هذا الشباب فقد ثقافته السلمية ووقع في فخ حروب بالوكالة، ومن يجنّده ويموّله، قطر والسعودية، وقد ذكر مستشار الحكومة الألمانية هذه الوقائع في أحد البرامج التلفزيونية.
ولذلك يجب سدّ هذه الثغرات الأربعة من خلال:
– مراقبة دخول السلاح واتخاذ أعلى درجات اليقظة.
– محاربة الإرهاب كخطاب ومحاسبة ومحاكمة كل من يشجّع عليه.
– إحداث جهاز يثق فيه المواطن فيسانده وتصبح المسألة الامنية مسألة وطنية.
– الدعوة للإرهاب لا تُصنّف ضمن حرية التعبير ولا بد من مكافحة كل خطاب يدعو للإرهاب مهما كان إطاره (جامعي، إعلامي، حزبي…)
كما يجب إعادة تأهيل الشباب وفتح ملف تجنيدهم إلى سوريا، وتبيان أن ما حدث في سوريا هو مؤامرة لصالح الكيان الصهيوني .والشروع بمعالجتهم معالجة نفسيّة، اقتصاديّة، ماديّة وتوفير مواطن شغل، مثلما فعل بوتفليقة في إطار المصالحة الوطنيّة.
هل من الممكن أن تؤدّي مقاومة الإرهاب إلى ضرب مناخ الحريّات في تونس؟
لا أعتقد أن هناك علاقة بين مكافحة الإرهاب وبين ضرب الديمقراطية ومناخ الحريّات، لأن القانون يجب أن يكون واضحا ويحدّد ما يعتبره تشجيعا على الإرهاب، لأن هناك من يتصوّر أن حريّة التعبير هي الدعوة للقتل وللإرهاب، وهذه جريمة يُعاقب عليها القانون، كما أن هناك ما يُعرف بجرائم الخطاب، حتى لو كان منشورا على الفايسبوك، على غرار التحريض على الشهيد شكري بلعيد، وهي مسألة لا علاقة لها بحريّة التعبير.