هذا المقال نشرته بالحياة الثقافية منذ 10 سنوات تقريبا و حاولت من خلاله تقديم فكرة عن السينما التونسية كما عايشتها …
_ ا _
أيام قرطاج السينمائيّة:
تظاهرة ثقافية دولية تقام كل سنتين تقوم على تقديم الأفلام للجمهور وتنظيم لقاءات بين مؤلفيها من مخرحين وكتاب سيناريو وممثّلين وغيرهم. منذ انطلاقتها سنة 1966 ساهمت الأيام في ازدهار سينما وطنيّة في كل من البلاد العربية والإفريقية بتنمية روح التنافس الخلاق بينها وترويج الأفلام التي تمثّل تراث بلدانها القومي وواقعها الاجتماعي، كما فسحت المجال للملتقيات البناءة والحوار المثمر بين رجالات السينما في سبيل تعارف أفضل وتبادل أوسع ولا سيما فيما يتصل بالهياكل السينمائيّة والنهوض بها وتحقيق مناعتها في البلاد العربية والإفريقية.كما ساهمت هذه الأيام منذ انطلاقتها في ترويج الأفلام العربية والإفريقية على الصعيد الدولي.ويبقى التأثير الأهم لهذه الأيام خلقها لتذوّق جديد للجمهور التونسي وحثّها الجماهير العربية والإفريقية على الإقبال على سينما بديلة وجديدة وذات مستوى فني رفيع هذا إلى جانب تأثيرها الملموس في:ـ بعث اتحاد السينمائيين الأفارقة.ـ الاجتماع العربي الأول لبعث اتحاد نقاد السينما العربي.ـ بعث جمعية السينمائيين التونسيين.ـ بيان بعث الملتقى الأول لنوادي السينما العربية والإفريقية.ـ بعث جمعية النقد السينمائي في تونس.ـ منح جوائز اتحاد النقاد والصحافيين السينمائيين العالميين ومنح جائزة هاني جوهرية ومنح جائزة النقاد السينمائيين العرب.
_ ب _
بـن عمّــار:
اقترن هذا الإسم في تونس بفن السينما في جلّ ميادينه والبداية كانت مع المرحوم عز الدين بن عمار (1926 ـ 1991) المولود بتونس العاصمة وهو من أوائل التونسيين العاملين في قطاع التصوير السينمائي وكان أحد المساهمين في أول تجربة سينمائيّة تونسيّة، فيلم «الفجر» (1966) من إخراج عمار الخليفي.ثم تواصلت تجربته مع عالم الصورة في أفلام أخرى نذكر من بينها «تحت مطر الخريف» لأحمد الخشين و«أم عباس» لعلي عبد الوهاب.إلى جانب التصوير قام عم عز الدين (كما يحلو للجميع تسميته) بإخراج بعض الأفلام الوثائقية «المرأة» و«الحماية المدينة» و«الابطال» سنة 1985.في عائلة «بن عمار» السينمائيّة نذكر أيضا المخرج الكبير عبد اللطيف بن عمار المولود بتونس في 25 أفريل 1934 والدارس فنّ الصورة بفرنسا (معهد إيداك) من سنة 1956 إلى 1963.قام بإخراج أول أفلامه الطويلة «حكاية بسيطة كهذه» سنة 1970 شارك به في مهرجان كان السينمائي ثمّ في مهرجان قرطاج وتحصل على التانيت البرنزي ثم قدّم فيلم «سجنان» (1975) وهو عبارة عن قراءة جديدة للتاريخ الوطني وحاز به على التانيت الفضي بمهرجان قرطاج السينمائي.سنة 1980 قام بإخراج فيلم «عزيزة» تحدّث فيه عن واقع المرأة في تونس وحصل به على التانيت الذهبي لأيام قرطاج وكان أول تونسي ينال هذا الشرف العربي الإفريقي. ومن آخر أفلامه «نغم الناعورة» (2002).عائلة بن عمار قدّمت للسينما أيضا المخرج الوثائقي الكبير حميدة بن عمار المولود بأكودة سنة 1941 والدارس لفن التوليف السينمائي بمعهد الايداك بفرنسا.بدأ حياته المهنية بتدريس فن المونتاج بمؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية (1966) ثم انطلق في إخراج سلسلة أفلامه التسجيلية لعلّ أهمّها «باب أوسو» (1975) و«الزيتونة في قلب تونس» (1982) و«الرباط» (1986) و«بيت القصيد» (1993) وغيرها كثير. ولقب بن عمار قدّم للسينما في تونس أيضا الناقد والمخرج والأستاذ الجامعي هشام بن عمار، بدأ حياته السينمائية منشطا بنوادي السينما ثم دعمّ تجربة النقد بالصحف السيارة قبل أن يصبح أحد ركائز مجلة «الفن السابع».التقيت به في السنوات 80 وقمنا معا وثلّة من النقاد أمثال مصطفى نقبو ونائلة الغربي وعادل موتيري والنوري الزنزوري ببعث أول جمعية للنقد السينمائي تحت إسم جمعية النهوض بالنقد السينمائي.إلى جانب النقد لهشام بن عمّار تجارب في الإخراج السينمائي لعل أهمّها «النجمة الزهراء» (1994).
ـ ج ـ
الجمعيات السينمائيّة:
تزامن وجود المنظمات السينمائيّة في تونس مع الوجود الفعلي للسينما وانتشارها في كامل البلاد.هذه الجمعيات ظاهرة فريدة من نوعها في الوطن العربي وأعرق هذه الجمعيات وأهمها على الإطلاق جامعة نوادي السينما التي ظهرت للوجود سنة 1950.ومنذ نشأتها قامت بنشر الثقافة السينمائيّة وتعويد الجمهور على طريقة في التحليل والنقد تكون موضوعية وعلمية وخلاّقة. ولها فضل كبير في صقل مواهب العديد من النقاد السينمائيين في تونس نذكر منهم على سبيل المثال: محمد محفوظ وفريد بوغدير والهادي خليل وعبد الكريم قابوس والمنصف بن مراد وهشام بن عمار ومصطفى نقبو والمنصف شرف الدين إلخ…الجمعية الثانية التي لا تقل أهمية عن جامعة نوادي السينما هي حركة السينمائيين الهواة التي ظهرت في السيتينات (1962) وقد التفّ حولها عدد من الشبان المولعين بالسينما والراغبين في التعبير بواسطة الكاميرا بإمكانيات بسيطة لا تخضع لنظم الإنتاج التقليدية. وقد تمكن هؤلاء داخل جامعة سينما الهواية أن يجرّبوا ويتمرّنوا ويتمكنوا من التعامل مع الكاميرا ومع الإضاءة وتوصلوا إلى قيادة ممثلين وإلى الجلوس إلى طاولة المونتاج وعرض تجاربهم في مهرجان بعث لهذا الغرض بمدينة قليبية سنة 1964. وقامت هذه الجامعة بصقل مواهب العديد من أحباء السينما وغرست فيهم بذرة الإبداع السينمائي ودفعت بهم إلى عالم سينما الاحتراف ؛ وهنا نذكر أحمد الخشين ورضا الباهي وسلمى بكار وفريد بوغدير وأخيرا وليس آخر المخرج خالد البرصاوي.الجمعية الثالثة ظهرت للوجود على هامش أيام قرطاج السينمائية سنة 1970 وهي جمعيّـة السينمائيين التونسيين، وتضم كل العاملين في القطاع السينمائي في تونس. عملت منذ نشأتها جنبا إلى جنب مع المنظمات السينمائية الأخرى على إدخال إصلاحات جذرية على قطاع السينما في تونس بما يمكّن أصحاب المهنة من فرصة العمل وإنجاز أفلامهم في أحسن الظروف وتوّجت سلسلة احتجاجاتهم بعملية مقاطعة دورة 78 لأيام قرطاج السينمائية التي عقبتها سلسلة من الحوارات بين المنظمات ووزارة الإشراف أدت إلى صدور نصوص قانونية نظمت قطاع السينما في تونس.ومن أبرز الإطارات المتعاقبة على تسيير هذه المنظمة يمكن ذكر مفيدة التلاتلي وعبد اللطيف بن عمار وسلمى بكار وأحمد بنيس ومنير بعزيز والنوري بوزيد والناصر الكتاري وغيرهم وتعرف هذه المنظمة في الفترة الأخيرة جمودا محيّرا علما وأن رئيسها الحالي هو المخرج علي العبيدي ويتولى هذه المسؤلية منذ سنوات عديدة دون انقطاع.آخر الجمعيات المهنية في القطاع السينمائي نذكر جمعية النهوض بالنقد السينمائي في تونس والتي ظهرت للوجود سنة 1986 ببادرة من مجموعتين ينتميان إلى مجلتين سينمائيتين موجودتين آنذاك «الفن السابع» لمصطفى نقبو و«شاشات تونسية» لمنير الفلاح. وعملت هذه المنظمة منذ تكوينها على النهوض بميدان النقد السينمائي في تونس والمساهمة من موقعها في تنشيط الحياة الثقافية وذلك بتنظيم أسابيع وتظاهرات سينمائيّة لأهمّ المدارس السينمائيّة العربية والعالميّة كما أثرت هذه المنظمة الساحة السينمائيّة بمحاولات نقدية نشرت في كراسات نقدية لاقت نجاحا كبيرا.
ـ د ـ
دلدول حسن:
اسم لا يمكن تجاهله في معرض حديثنا عن السينما التونسيّة فقد سايرها منذ نشأتها وكان له دور فاعل في انطلاقتها ونموّها.ولد حسن دلدول يوم 30 جويلية 1942 وزاول تعليمه العالي وتحصّل على شهادة ختم الدروس بالمعهد العالي للسينما بفرنسا (إيداك). قام بتربّص خاص بمؤسسة الإذاعة والتلفزة الفرنسية سنة 1965، تولى الإشراف على المجلة المصورة التونسية ثمّ تقلّد مسؤوليات كبرى في مؤسسة الساتباك من سنة 1969 إلى سنة 1980 شملت جميع القطاعات الحيوية لهذه المؤسسة. قدّم للسينما العديد من الأعمال القصيرة نذكر من بينها «سيدي فتح اللّه» (1965) و «ماتانزا» (1970).لم تكن مهنة الإخراج هي الواعز الوحيد الذي يربطه بقطاع السينما بل هو مهووس بفكرة وجود ونمو سينما في تونس سواء لما كان مسؤولا إداريّا أو منتجا حرّا. فإسهاماته في اللجان، الوزارية كانت فعالة ويشهد له بقدرته الفائقة في الإقناع والدفاع عن مصالح أهل المهنة. وإني شخصيّا قد لمست منه ذلك لّما كنت أمثّل نوادي السينما في هذه اللجان وكنا نجد فيه النصير والمساعد على تحقيق أهدافنا بالرغم من وجوده على الجانب المقابل في الحوار. فهو كان بمثابة حلقة وصل بيين الجمعيات والسلطة.ولما أصبح منتجا حرّا لم يتخل عن دور المناصر، إذ نراه وراء أهم الإنتاجات السينمائيّة التونسيّة والعربية ويلعب دور الوسيط بين عالم الإنتاج في أروبا. وقدم من موقعه هذا خدمات جليلة لإنتاجات تونسيّة وعربية كثيرة:تونسيا ساعد على إنتاج أفلام مثل «السفراء» من إخراج الناصر الكتاري (1975) و«الهائمون في الصحراء» للناصر خمير (1984) و«صفائح من ذهب» للنوري بوزيد (1988) و«عصفور السطح» لفريد بوغدير (1990).وعربيّا، فقد كان حسن دلول وراء إنتاج «بيروت اللقاء» لبرهان علوية (لبنان 1982) و«باب السماء مفتوح» لفريد بن يزيد المغرب (1987) و«شاشة الرمال» لرندة شهال (لبنان 1991).
ـ هـ ـ
الهائمون في الصحراء:
هو أول فيلم طويل يقوم بإخراجه الناصر خمير وهو كذلك أول تجربة تقوم بها مؤسسة لاطيف للإنتاج خارج عالم أفلام عبد اللطيف بن عمار، وهو أول تجربة لي شخصيّا في متابعة عملية تصوير فيلم سينمائي وفرتها ولثلّة من نقاد السينما مؤسسة الإنتاج من خلال رحلة للجنوب التونسي تابعنا فيها تصوير المشاهد الأخيرة لهذا الفيلم.يحكي الفيلم قصة قرية في أطراف الصحراء يصلها معلم لتعليم أبناء القرية فيكتشف أن كل من يشتد عوده من الشبان يختفي في الصحراء، وينضم إلى الهائمين الذين يتراؤون لأهل القرية بين الحين والآخر أشباحا يلفها الغبار. يحاول المعلم النفاذ إلى سرّ اختفاء الشبان فيختفي هو بدوره ولا يعثر له على أثر، يصل أحد الضباط للتحقيق في الأمر فيضيع في متاهات لا نهاية لها.هذا الفيلم لم يخرج عن العالم الخرافي للناصر خمير حيث اختصّ في فن الحكي، ويأتي تتمّة لتجاربه السابقة في الأفلام القصيرة. هذا العالم الخرافي سيصاحب الناصر خمير في أفلامه اللاّحقة ويجعل منه تجربة فريدة من نوعها في مسيرة الفن السابع في تونس.
ـ و ـ
«وغــدا»:يعد هذا الفيلم من التجارب الأولى في الاقتباس للسينما من الأدب التونسي إذ قام المخرج المرحوم إبراهيم باباي بتحويل قصّة «ونصيبي من الأفق» لعبد القادر بالشيخ إلى شريط سينمائي، طرح في الأسواق سنة 1972. قام بكتابة سيناريو هذا الفيلم وصياغة الحوار وشارك في بطولاته الأديب سمير العيادي. ويرسم الفيلم مأساة ثلاثة قرويين بارحوا بلدتهم ليستقرّوا بالمدينة بحثا عن عمل. فقد انسدّت أمامهم الآفاق في القرية بعد نضوب الآبار بسبب الجفاف لكنهم يواجهون مشاكل لا تحصى ويتعذر عليهم الاندماج في محيط العاصمة ويظلّون على الهامش.
ـ ز ـ
الزنروري النوري:
هو أحد الآباء الشرعيين للسينما التونسية عاش ومات وهو يتنفس السينما، كان مولعا بهذا الفن إلى حدّ الهوس. عاش انبعاث أهم الجمعيات السينمائيّة وساهم في إدارتها واحتضن الجامعة التونسية لنوادي السينما بمنزله في بداياتها قبل أن يشتد عودها.كان ثالث ثلاثة يقومون بتعليق أوراق نقدية للأفلام المبرمجة في القاعات السينمائيّة بصفاقس في السنوات الخمسين يقرأها المتفرجون قبل اختيارهم الفيلم الذي سيشاهدون. وكان أحد دعائم مهرجان قليبية لسينما الهواة في بداياته وأحد العناصر الفاعلة في أيام قرطاج السينمائية منذ انبعاثها إلى أن توفّي وكان يعمل في صمت ولا يحب الظهور. وهو أحد مؤسّسي مجلة «شاشات تونس» وأوّل من ترأس هيئة جمعية النهوض بالنقد السينمائي عند انبعاثها سنة 1986.
ـ ح ـ
حمودة بن حليمة:
هو من بين التونسيين الذي تمكن في أواخر الخمسينات من متابعة تعليمهم في معهد مختص للسينما بباريس (إيداك) قسم المونتاج. ولد بالمكنين يوم 10 فيفري 1935 وتخرج من الايداك سنة 1957 بدأ حياته المهنية بتحمل مسؤوليات مختلفة بمؤسسة الساتباك مع قيامه بعديد الإنتاجات لفائدة التلفزيون التونسي في بداياته.هو أول من اتجه للأدب التونسي وقدم للسينما قصة البشير خريف «خليفة لقرع» سنة 1969 وتدور أحداث هذا الفيلم في المدينة العتيقة بتونس العاصمة وهي تروي حكاية خليفة المصاب بعاهة الصلع وهي عاهة تخول له الدخول إلى المنازل ومخالطة النساء لكنّه يشفى من عاهته إذ ينبت له الشعر فيحرم من الإمتيازات التي كان يتمتع بها.كما قام بإخراج الجزء الأول من حلقات فيلم في بلاد الطرارني بعنوان «الفانوس» المقتبس عن قصة لعلي الدوعاجي وتدور أحداث الفيلم في المدينة العتيقة أيضا. يعد حمودة بن حليمة أحد مؤسسي التيار الواقعي في السينما التونسية إذ تميّزت أفلامه بالأسلوب السهل الممتنع وأصبحت نقطة مضيئة في مسيرة السينما التونسية يتم اعتمادها في المعاهد السينمائيّة بتونس.
ـ ط ـ
الطاهر شريعة:
ماذا عساني أن أقول في الطاهر شريعة غير أنه أبو السينما التونسية فهو الذي كان وراء جل المكاسب التي عرفتها الساحة السينمائيّة في تونس قبل وبعد الاستقلال. فهو الذي بعث الحسّ الوطني داخل نوادي السينما وقام مع ثلة من أصحابه بتونستها وتسييرها ونشرها داخل التراب التونسي.وهو الذي كان وراء بروز أول التجارب النقدية المكتوبة في مدينة صفاقس في الخمسينات تحت عنوان «مجموعة الثلاثة» أو داخل نوادي السينما بمجلّة «نوادي» وهو الذي استنجدت به السلطة في بداية الستينات لإرساء قواعد خطّة سينمائيّة وطنية مكنته من إرساء أكبر مهرجان سينمائي عربي إفريقي للسينما.الرجل آمن بالسينما وبدورها الأساسي في الرقي الاجتماعي والثقافي فأعطاها من وقته الكثير وخدمها بسخاء ومهد الطريق للأجيال التي تحملت المشعل من بعده.
ـ ك ـ
«كرة واحلام»:فيلم طريف وتاريخي هو عبارة عن رحلة شيقة في عالم كرة القدم رفقة لاعبي الفريق الوطني التونسي لموسم 77 ـ 78 وممرنهم عبد المجيد الشتالي. ويصورهم في مغامرتهم الارجنتينية حيث شاركوا في كأس العالم 78. الفيلم وثّق بالصورة لهذه المغامرة الأولى في تاريخ كرة القدم التونسية والملحمة التي قام بها كامل الفريق أمام منتخبات تفوقه خبرة.قام بإخراج الفيلم محمد علي العقبي بأسلوبه الهزلي المعروف الذي وجدناه في تجربته الثانية مع فيلم «الزازوّات» سنة 1992.
ـ د ـ
دعم السينما:
تمّ بعث اللجنة في إطار الإصلاحات التي شهدها القطاع على إثر التخلي عن مؤسسة الساتباك التي كانت وراء كل الانتاجات السينمائية من خلال سياسة الاحتكار.أصبحت الدولة تخصص ميزانية هامة لدعم الإنتاج السينمائي من خلال تقديم منح لاترد للمنتجين السينمائيين بناء على اقتراح من لجنة التشجيع على الإنتاج.انطلق العمل بهذه الطريقة سنة 1991 وبدأ نسق الإنتاج يرتفع وهو ما انعكس أيضا على نوعية الأفلام. وقد ظل الاعتماد المخصص لدعم الإنتاج يرتفع باطّراد حتى تجاوز ثلاثة مليارات مستفيدا من قرار رئيس الدولة بالترفيع من ميزانية وزارة الثقافة.
ـ ن ـ
النوري بوزيد:
«ريح السدّ» «صفائح من ذهب» «بزناس» »«حرب الخليج لن تقع» «بنت فاميليا» «عرائس الطين» و«آخر فيلم» أحدث أفلام النوري، هو أغزر المخرجين التونسيين إنتاجا وأكثرهم إثارة للجدل تونسيا وعربيا، النوري بوزيد الذي دخل السينما كما دخل في أيام شبابه الأولى عالم السياسة بسابق إصرار على دفع النقاش في كل عمل يقدمه فالرجل كما عهدته منذ سنوات عديدة في صفاقس وتونس يفاجئ الجميع حيث لم يكن ينتظره أحد يكتب الشعر دون حمل اسم شاعر ويدندن أغنيات دون المطالبة بلقب موسيقي لكنه في الشعر والأغنية والسينما والتدريس القاسم المشترك بينها : الصورة ـ الصورة… ثمّ الصورة.
ـ س ـ «السيدة»:
هذا الفيلم دخل تاريخ السينما التونسية من الباب الكبير باعتباره أكثر فيلم مشاهدة من طرف لجمهور فقد حطّم الأرقام القياسية السابقة وأعلن ميلاد مخرج فذّ أكد الآمال المعلقة عليه منذ عرض أفلامه القصيرة «كسار الحصى» و«يانبيل».يحكي السيّدة أزمة إبداع يعيشها الرسام لامين رغم أنه يعد معرضا فنيّا. يلتقي في شوارع المدينة مراهقا متمرّدا ينجذب الرسام لهذا الطفل ويتبعه إلى حي «السيّدة» الذي يقطنه ويكتشف عالمه: الأب مدمن على الخمر يعامل ابنه بعنف وسوء لأنه لا يأتي بالنقود إلى العائلة.يتأثر الرسام باكتشاف حي «السيدة» ووضعية نضال الذي يحلم بالهجرة ومغادرة البلاد ويجد الرسام مواضيع وشخوصا يرسمها تخرجه من فترة الفراغ التي مرّ بها.
ـ ع ـ
«عمار الخليفي»:
لا يمكن الحديث عن محطات من مسيرة السينما التونسية دون التطرّق إلى عميدها المخرج «عمّار الخليفي» الذي كان له شرف تقديم أول فيلم سينمائي تونسي لحما ودما سنة 1966.عمار الخليفي مخرج عصامي لم يدرس السينما في المعاهد العليا كشبان جيله بل عن طريق الممارسة وداخل جمعية النهوض الفني للسينما والمسرح التي كوّنها سنة 1959 مع ثلة من زملائه نذكر من بينهم الشريف الكوّاش واحمد الراشدي (المخرج الجزائري المعورف) وحمادي بكار، وقام في تلك الفترة بإخراج فيلم يدوم 50 دقيقة بعنوان «صفحة من تاريخنا» عرض لأول مرّة بقاعة معهد كارنو يوم 09 جوان 1961.ولد عمار الخليفي يوم 16 أفريل 1934 تحصل على الباكلوريا سنة 1956 وقام بدراسات تقنية بمدينة «نانسي» الفرنسية قدّم أول أفلامه «الفجر» سنة 1966 ثمّ أعقبها بمجموعة هامة من الأفلام تتحدّث عن الحركة الوطنية نذكر منها المتمرّد والفلاڤة ونال بها جوائز في مهرجانات عالميّة.
ـ ف ـ
«فاطمة 75»:
هو أول فيلم عن المرأة تقوم بإخراجه امرأة ويعدّ ذلك حدثا في حدّ ذاته في ذلك الوقت يصوّر الفيلم وضع المرأة التونسية في مراحل تاريخية مختلفة من مرحلة الثلاثينات حيث تأسس الاتحاد النسائي إلى مرحلة الأربعينات حيث سار كفاح المرأة بالتوازي مع الكفاح الوطني وصولا إلى مرحلة الاستقلال التي تحققت فيها للمرأة مكاسب تظل في حاجة إلى تدعيم.هذا الفيلم شهد ميلاد مخرجة مقتدرة وهي سلمى بكار عرفتها شخصيا من خلال نشاطها بالمنظمات السينمائيّة (جامعة الهواة واتحاد السينمائيين) وقدرتها على الإقناع والدفاع عن مصالح القطاع السينمائي في تونس. وإنّي لا أنسى لها وقفتها الحازمة سنة 78 عند مقاطعة المنظمات السينمائيّة لأيام قرطاج، وكيف قادت بنجاح واقتدار الندوة الصحفية ممّا يجعل الحاضرين يتفاعلون ايجابيا مع مواقف الجمعيات ويؤكدون مناصرتهم لها.
ـ ص ـ
«صمت القصور»:
هو أول فيلم روائي تقوم بإخراجه امرأة عرفناها في تونس من خلال مساهمتها في عملية توليف مجموعة هامة من الأفلام التونسية.«صمت القصور» هو أول فيلم لإمرأة يحصل على التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائيّة.«صمت القصور» قامت بإخراجه مفيدة التلاتلي سنة 1994 ويروي قصّة فتاة في الخامسة والعشرين من عموها تعود إلى القصر عند وفاة الأمير علي وتكون فرصة لوقفة مع الذات واستعادة الماضي مع أم خادمة في القصر وأب مجهول. وتتحرك الذكريات التي ظنت أنها دفنتها إلى الأبد.
ـ ق ـ
«قريتي»:
أول فيلم تونسي يحاول التطرق إلى القضيّة الفلسطينيون من خلال حكاية قرية فلسطينية صغيرة يقوم فيها الفدائيّون الفلسطنيون يدعمهم الأهالي بعمليات ترمي إلى زعزعة أمن الغزاة الاسرائليين لإجبارهم على ترك بلدتهم.«قريتي» هو أول فيلم تونسي لم يمكث بالقاعات إلا يوما واحدا لعدم إقبال الجمهور على مشاهدته نظرا لسوء الإخراج ورداءة التمثيل وضحالة التطرّق.«قريتي» قام بإنجازه المخرج التلفزي محمد الهمامي وقام بإنتاجه الدكتور الحبيب بن فطيمة الذي من فرط إيمانه بشرعية القضية الفلسطينية أراد المساهمة في التعريف بها ومناصرتها لكن خذله الفريق المحيط به والعامل في الفيلم.
ـ ر ـ
«ريح السـدّ»:
الفيلم الحدث لأنه أعاد للسينما التونسية بريقها وصالحها مع الجمهور ومكن مخرجه النوري بوزيد من الحصول على التانيت الذهبي لمهرجان قرطاج بأول تجربة له في الإخراج.«ريح السدّ» هو أيضا باكورة الانتاجات السينمائية ما بعد الإصلاحات التي تم إقرارها في بداية الثمانينات بإنشاء لجنة الدعم السينمائي.يروي الفيلم حكاية الهاشمي الذي يعيش أجواء الاستعداد للزفاف ويبدو مهموما مأزوما إنه مسكون بذكريات الطفولة تنغص عليه حياته. فقد كان ضحية اغتصاب جنسي من النجّار الذي تعلم عنه الهاشمي حرفة النجارة، يدخل هذا الفيلم ضمن إطار مواجهة النفس ودفعها نحو اكتشاف علاقتها بمحيطها وبتاريخها وبظروف نموها. وهو أيضا يثير مسائل عدّة متعلقة بالتراث والحضارة والتناقض القائم في صلة الفرد العربي بين حنينه إلى تلك القيم وما تذكره من أحداث قاسية تنتمي إلى نفس القيم.«ريح السدّ» فيلم تماثلي وتناظري في بنائه للشخصيات لكنه يعتبر أنموذجا للسينما المتقدّمة في العالم العربي من حيث الأسلوب ومن حيث التصرّف بحنكة ودراية في التراث المحلي والجهوي مع الاستفادة بمحصّلات ومكتسبات اللغة السينمائيّة عالميا.
ـ ش ـ
شيخاوي الطاهر:
أحد الوجوه البارزة في الحياة السينمائيّة في السنوات الأخيرة من خلال الأعمال الجليلة التي قدّمها وما يزال للنقد السينمائي في تونس.عرفته شخصيا منذ كان يعمل بمؤسسة الساتباك وتوطدت علاقتنا داخل جمعية النهوض بالنقد السينمائي حين أخذ المشعل عنا وواصل تركيز أهداف الجمعية بنجاح.بعث داخل الجمعية نشريّة داخلية بعنوان «سيني ايكري» بالعربية والفرنسية تطرقت للعديد من المواضيع لعل أهمّها تلك الخاصة بالمخرج المصري يوسف شاهين وكذلك العدد الخاص بسينما الهواية في تونس.وجدت فيه سندا كبيرا لما كنت أدير دار الثقافة ابن خلدون ونظمنا العديد من الأسابيع السينمائية لعل أهمها تلك الخاصة بأفلام المخرج الإيطالي «بازوليني» حيث شاهد الجمهور كل الأفلام التي قدمها هذا المخرج دون أن يطالها مقص الرقابة. الطاهر الشيخاوي لعب دورا مهما في تثقيف وتعليم الشباب مادة السينما من خلال الدروس التي يقدمها داخل الجامعة التونسية والمعاهد المختصة في السينما.
ـ ت ـ
«تحت مطر الخريف»:
يمكن القول إن هذا الفيلم هو نتاج طبيعي للحركة الثقافية السينمائية التي عرفتها مدينة القيروان في السنوات الستين داخل نادي السينما ونادي السينمائيين الهواة.كتب أحداث هذا الفيلم رضا الباهي وقام بإخراجه أحمد الخشين ويحكي. قصة عائلة فقيرة من القيروان، الأم أرملة تجتهد في إعالة أسرتها والإحاطة بها، مريم البنت الكبرى تعمل في مصنع للزربية وتقع في حب شاب كمال الذي يمارس معها الخطيئة ثم تنكر لها، لكنّ أخاها يتفطن للامر ويحاول الاقتصاص من صاحب الفعلة في حين تحاول الأم طمس الحقيقة.
ـ ث ـ
«ثـلاثــة»:
هو عدد المنظمات السينمائية التي التقت في ما سمي حينها أي أواخر السبعينات بلجنة العمل والاتصال وكانت تضم كلاّ من جمعية السينمائيين التونسيين والجامعة التونسية لنوادي السينمائيين الهواة.هذه اللجنة كان عملها القيام بدراسات وبحوث وتقديم تصوّرات للخروج بالقطاع السينمائي من الأزمة الناجمة عن تخلي الدولة عن مؤسسة الساتباك.وأفضى هذا العمل المشترك إلى فتح ملف السينما وساهمت هذه المنظمات بالتعاون مع المصالح المختصة لوزارة الثقافة في وضع خطة عملية لدعم القطاع استغلالا وتوزيعا وإنتاجا.وكانت هذه المنظمات ممثّلة في جلّ اللجان التي تمّ بعثها بالمناسبة قد مثّلت نقطة الوصل بين سلطة الإشراف والعاملين في القطاع
ـ خ ـ
الخطاف لا يموت في القدس:
ثاني فيلم تونسي يتناول القضيّة الفلسطينية بعد فيلم «قريتي» لمحمد الهمامي يتحدّث الفيلم عن صحفي فرنسي يصل إلى إسرائيل لإجراء تحقيق حول ظروف تطوّر العملية السلميّة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. فيستجوب مختلف الأطراف ويكتشف أن الطريق أمام السلام، رغم النوايا الطيّبة، ليست سالكة. خلق هذا الفيلم عند عرضه لأول مرّة جدلا كبيرا بين مؤيّد لطرح رضا الباهي بعد «شمس الضباع» و«الملائكة» و«الذاكرة الموشومة» ولم يخرج عن طريقته في إنجاز مشاريعه أي تخصيص ميزانية هامة والاعتماد على نجوم الشباك العالميين.
ـ ذ ـ
ذويب المنصف:
تعرفت عليه سنة 1972 بمدينة صفاقس في إطار نادي سينما الشبان الذي كان يقدّم عروضه بقاعة بغداد كل يوم جمعة في الساعة السادسة مساء. كان يترأس الهيئة المديرة للنادي وكنت عنصرا ناشطا في هيئة الإعداد.عرف نادي صفاقس في عهده انتعاشة كبرى وقام بإحداث تجربة فريدة من نوعها تتمثل في تقديم عروض إضافية كل يوم خميس تقدّم لجمهور الشغالين، وكنت من بين العناصر التي تسهر على إنجاح هذه الحصص وذلك بالدعاية داخل المؤسسات الصناعية وإعداد الورقات النقدية للأفلام بأسلوب مبسط وتأطير النقاشات. لكن سفر المنصف ذويب إلى فرنسا لدراسة السينما بجامعة باريس 3 حكم على هذه التجربة بالتوقف.عاد إلى تونس في أواخر السبعينات وعمل في المسرح في مرحلة أولى ثم انتقل إلى السينما وقدم أشرطة قصيرة مهمة نالت العديد من الجوائز أينما حلت نذكر من بينها «وكر النسور» و«حمام الذهب» و«الحضرة» وفي سنة 1992 أنجز أول أفلامه الطويلة «يا سلطان المدينة» تحدث فيه عن المدينة العتيقة أين تعيش العديد من الشخصيات المدهشة.
ـ ظ ـ
«ظلّ الأرض»:
الشريط الروائي الطويل الأول لصاحب فيلم «الخمّاس» الطيب الوحيشي المولود بمدينة قابس يوم 16 جوان 1948 والمتحسس لفن السينما بنادي السينما صفاقس قبل أن يتحول للدراسة في فرنسا ويحصل على دكتورا في الآداب وعلم الاجتماع من جامعة باريس السابعة وديبلوم في فن السينما من معهد فوجيرار بباريس.تطرّق الطيب الوحيشي في فيلمه هذا إلى سوء حياة مجموعة من البدو الرحل بسبب الجفاف فيهاجر بعضهم ويقرر بعضهم الآخر البحث عن مكان آخر يقيمون فيه ماعدا عميد المجموعة الذي يخيّر البقاء حيث هو رافض فكرة التخلي عن الأرض.قدّم هذا الفيلم سنة 1982 وأكد الصورة التي يحملها المتابعون للساحة السينمائية عن الطيب الوحيشي من خلال مشاهد أفلامه القصيرة السابقة «قريتي بين القرى» (1972) و«الخمّاس» (1976).لما شاهدت هذا الفيلم لأول مرة لم أتحمس له كثيرا لكني عند معاينتي لمدى إقبال الجمهور العربي عليه على هامش مهرجان دمشق وأسبوع السينما التونسية بالأردن وملتقى نوادي السينما المغاربية بالجزائر تغيّرت فكرتي عنه واقتنعت بمدى عمق محتواه وشاعرية إخراجه.
ـ غ ـ
«غربــة»:
يعيشها ثلة من سينمائيينا في فرنسا أمثال عبد اللطيف كشيش وكمال الشريف وسامي بوعجيلة وناجية بن مبروك ورجاء العماري ومحمد بن اسماعيل وأحمد الجميعي والفيتوري بالهيبة ومختار العجيمي وغيرهم لم تمنعهم من الإبداع والخلق سواء كان في بلدهم الأم وإنجاز أفلام عديدة أثرت الخزينة الوطنية، أو في بلدان الإقامة حيث نافسوا أكبر المخرجين وتفوّقوا عليهم ونالوا جوائز هامة في مهرجانات كان والبندقية لعل آخرها جائزة أحسن ممثل الحائز عليها سامي بوعجيلة عن دوره في فيلم «أنديجان».
ـ ي ـ
يوسف بن يوسف:
مدير تصوير متمكّن برز كأحسن ما يكون من خلال الموجة الجديدة للسينما التونسية ونال إعجاب الجميع من نقاد وعاملين في الحقل السينمائي وحاز على العديد من الجوائز في مهرجانات كقرطاج وواقادوقو ودمشق. هذا التألق جعل مخرجين من الوطن العربي وخارجه يلجأون لخدماته لما عرفت به صورته من إتقان وروعة.ـ م ـ لم أنس الميم لكني تركتها للأخير بعد حرف الياء لان «الميم» هذه المرة مضاعفة.
محمد محفوظ :
محمد محفوظ أخي وصديقي وشريكي في حب السينما .. كل السينما.. السينما بكل توجهاتها وأنواعها وجنسياتها.ولأن محمد محفوظ تونسي حتى النخاع رغم قلمه الفرنسي الثاقب وأحيانا اللاذع فإنه كتب للسينما التونسية بلغة تونسية مستمدّة من الشارع التونسي بنكته وتعبيراته وهمومه الصغيرة وأحسن شاهد على ذلك سيناريوهات أفلام «الكأس» و «دار الناس» لمحمد دمق.محمد محفوظ عرفته في تونس وكنت صديقا لأخيه المنصف, ومنذ أول لقاء خلت نفسي أعرف منذ ولدت، التقينا في حب السينما والكتابة عنها واشتركنا في بعث مشروع مجلة «شاشات تونسية» (صدر منها 3 أعداد في منتصف الثمانينات).والتقينا كذلك في حب عبد الحليم وجاك برال موسيقيا وحمادي العقربي والنادي الصفاقسي رياضيا.لقد افتقدناه منذ سنة لكنّه مازال يعيش معنا ونسير على خطاه.
بقلم: منير الفلاح
الوسوم :السينماء السينماء التونسية منير الفلاح