لم تنجح “شمس” القضايا المفتعلة لإلهاء التونسيين والتونسيات عن قضاياهم الأساسية، في التّعتيم على الملفّ الذي طرح نفسه بقوّة في الفترة الأخيرة، ملف الثّروات الطّبيعيّة التّونسيّة الذي أعاده للسّطح في الآونة الأخيرة تنامي التّحرّكات الاحتجاجيّة في الحوض المنجمي ومناطق استخراج المحروقات من جهة، وحملة “وينو البترول؟” من جهة أخرى.
إنّ وقوف عناصر ومجموعات محسوبة على مكوّنات الترويكا الحاكمة سابقا وراء حملة “وينو البترول؟” بغرض المزايدة، لا يجب أن يحجب عنّا مشروعيّة السؤال والمطالبة بكشف الأرقام الحقيقية عن إنتاج المحروقات من بترول وغاز وغيرها من الثروات الطبيعية وعائداتها ومآلها ونسب استفادة المجموعة الوطنية منها مقابل ما يذهب في جيوب الشركات الأجنبية والمحلية واللوبيات الناشطة في هذه القطاعات.
تتواصل إذا التّحرّكات الشّعبية التي تعيشها الجهات والمناطق التي تمثّل الأنشطة الاستخراجية – سواء تعلّق الأمر بالمحروقات أو الفسفاط أو غيرها – الحصّة الأكبر في نسيجها الاقتصادي للمطالبة بتخصيص جزء من عائدات هذه الثروات لفائدة المشاريع التنموية في الجهة المعنيّة. وهي مطالب استمرّت منذ الثورة – وحتى قبلها بالنسبة للحوض المنجمي- دون أن تتلقّى من الحكومات المتعاقبة ردّا جدّيّا يقنع أهالي تلك المناطق ويعيد إليهم الثقة في المستقبل.
إنّ ملف الثروات الطبيعية يطرح في هذا الظرف جملة من التساؤلات على غاية من المشروعية. ويتمثّل التساؤل الأوّل في معرفة حقيقة ما تختزنه الأرض التونسية من ثروات وكيف يتم التصرف فيها؟ وبغضّ النّظر عن الفسفاط الذي يُعتبر “الذهب الأسود” لتونس، لا يعرف الشعب التونسي حجم ثرواته وقيمتها خاصة وأنه اعتاد على الخطاب الشائع الذي يروّج أنّ “تونس بلد لا يمتلك ثروات طبيعية أو مواد أوّلية”. فرغم مواصلة الدولة التونسية إسناد رخص الاستكشاف والاستغلال لعديد الشركات الأجنبية، فإنّ نتائج الاستكشاف وعائدات ما تدرّه حقول ومناجم الاستخراج تبقى خفيّة ويكتنفها الغموض خاصة مع تواتر شبهات الفساد واستغلال النفوذ التي تطال المؤسسات والهياكل التي يرجع إليها بالنظر. ألا يحق للشعب التونسي – خاصة وأنّ الفصل الثالث عشر من الدستور ينصّ على أنّ “الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه” – أن يسائل من يحكمونه عن مآلها وطرق التّصرّف فيها ونصيب المجموعة الوطنية من عائداتها؟
التساؤل الثاني الذي أثارته التّحرّكات الشعبية التي شهدتها بعض الجهات (الحوض المنجمي، تطاوين، مدنين…) يتعلّق بمدى مشروعيّة المطالبة بتخصيصها بنسبة من عائدات المواد المنجمية والاستخراجية التي تنتجها. فإن كان البعض يعتبر أنّ تلك الثروات هي ثروات وطنية لعموم الشعب ولا يحقّ للجهات التي تنتجها أن تستأثر بحصة منها دون غيرها من الجهات، أفلا يحقّ لأهالي تلك المناطق – رغم ما تختزنه أرضها من “كنوز”، عانت وما زالت من التهميش والتفقير والبطالة – أن يطالبوا بأن يُوجَّه جزء من عائدات هذه الثروات إلى فتح آفاق اقتصادية أخرى تقطع مع التركيز المشط على استخراج تلك المواد وتحقّق التنمية والتشغيل و”تعوّض” الأهالي عن عقود الحرمان والاستغلال وما انجر عنها من أثر مدمّر على البيئة والفلاحة وصحّة المتساكنين؟ خاصة وأنّ الفصل الثاني عشر من الدستور ينصّ على أنّ الدولة ” تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدإ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية”.
إنّ فتح ملف الثروات الوطنية ليس استحقاقا مرتبطا بالأحداث والاحتجاجات الراهنة فحسب، بل هو بالأساس حقّ دستوري ومطلب جوهري من مطالب الثورة.
(افتتاحيّة “صوت الشّعب”: العدد 178)